اللهم ارفع عنا هذا العذاب
الحمد لله الوالي الكريم، والصلاة على نبي الرحمة وآله وصحبه مع التسليم، وبعد:
أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
مرحباً برمضان (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُهُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ) أقبل هذا الشهر وواجب أن نبين فقه الصيام فيه فـ(الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ):
فقه صيام هذا الشهر المبارك يدور حول سبعة معانٍ، هي:
أولاً: رمضان هو عيد ميلاد القرآن رسالة الله الخاتمة للعالمين. ما جعله وقتاً مباركاً في الزمان، وموسماً لاكتساب الغفران. وهو موسم تكثيف الرياضات الروحية من صيام وقيام وتلاوة واعتكاف، فينبغي علينا ممارسة تلك الرياضات المصحوبة بالوعد الحق: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) .
وفي الظروف الحالية التي يعاني منها وطننا سكرات الاحتضار، وتعاني أمتنا ويلات الفتن التي جعلت شعوب أمتنا الأكثر اقتتالاً في العالم، وهم الأكثر نزوحاً ولجوءاً، والأكثر تعرضاً لسياط الجلادين من الحكام، والأكثر تعرضاً للغزو الأجنبي. أقول في هذه الظروف أرجو أن نكثر الدعاء: اللَّهُمَّ كَما لَطَفْتَ في عَظَمَتِكَ دونَ اللُّطَفاءِ، وَعَلَوْتَ بِعَظَمَتِكَ على العُظَماءِ، ارفع البلاء عن وطننا، وعن أمتنا يا أرحم الراحمين.
ثانياً: الإمساك عن الأكل والشراب والشهوات من واجبات الصيام، وينبغي أن يصحب ذلك التزام عام بقوله: (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، وهي واجبات في كل الأوقات، وهي أكثر إلزامية في رمضان. وتوجب كذلك الالتزام بالإمساك عن اغتياب الناس والنميمة: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُۚ) .
ثالثاً: رمضان هو شهر الحمية تقرباً لله لا السمنة إشباعاً لشهوة الطعام. كثير من الناس يجعلون رمضان شهر طعام لا شهر صيام، فيزيد وزنهم، وبذلك يخالفون مقاصد الصيام. ففي كثير من بلاد المسلمين تزيد ميزانية المأكولات والمشروبات على مستوى الأفراد والأسر بينما الواجب أن تنقص. السمنة أم الأمراض لذلك جاء في الأثر: نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نُشبع. وقال الإمام المهدي عليه السلام: كل لقمة زيادة على الضرورة عليك لا لك.
رابعأً: وفي رمضان ترفع درجة التكافل لإزالة حرمان المحرومين، ولتقوية الشعور بحقيقة: ما جاع فقير إلا بما متع به غني. ما يوجب إخراج وعدالة توزيع صدقة الفطر، ويوجب الإكثار من الصدقات.
خامساً: ورمضان موسم اجتماعيات للزيارات والموائد المشتركة وقد جاء في الأثر: بورك في طعام كثرت فيه الأيدي. وجاء كذلك حثاً على ما يوجب بث المودة بين النسا: “تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صدقة”.
سادساً: من كان مريضاً مرضاً مزمناً يفاقمه الصيام كأمراض الكلى، ومرض السكري من النوع الأول المعتمد على الأنسولين، أو يعاني من مرض طارئ كالملاريا، والتيفويد، والنزلة، مرخص لهم ألا يصوموا فالمحافظة على النفس من مقاصد الشريعة، ومقابل هذه الرخصة إطعام مسكين والقضاء بعد الشفاء. أما أصحاب الأمراض المزمنة فيكتفون بالكفارة.
المرأة الحائض تفطر، وتصوم للقضاء بعد ذلك. بعض الناس يستشهدون بهذه الحقيقة أن النساء ناقصات دين. هذا افتراء. الحيض جزء من تضحية فرضت على المرأة في نطاق وظيفة الحمل والأمومة. الترخيص لها للقيام بهذه الوظيفة هو من باب مراعاة ظروفها المرضية الدورية؛ تقديراً لحالتها لا انتقاصاً لإيمانها أو إنسانيتها. وهي أثناء الحيض لا تنجس كما يظن بعض الناس فقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها أن تناوله المصلاة فاعتذرت بأنها حائض. قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ”، وكانت تجلس إلى جانبه في المصلاة، وهو يصلي وهي حائض.
الإسرائيليون يرون الحيض عقاباً للمرأة لإخراجها آدم من الجنة بزعمهم. هذا زعم باطل، القرآن ينسب الخطيئة لآدم مرة ولآدم وحواء مرة أخرى. وحتى إذا صح قولهم عن خطيئة حواء فالخطيئة لا تورث: ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰۚ) .
سابعاً: النظافة من الإيمان ولكن بعض الناس يتعمدون عدم السواك لأنهم سمعوا حديثاً يثني على خلوف فم الصائم (الرائحة الكريهة)، نعم إن الإمساك عن الطعام والشراب لمدة يغير رائحة الفم، هذا أمر طبيعي ومع ذلك ينبغي الحرص على السواك، بل الإكثار منه لكيلا نؤذي بعضنا بالبخر (أي النفس الكريه).
كذلك يكثر الناس من البصق حتى لا يدخل اللعاب في جوفهم. هذا لا مبرر له، فالإمساك هو ألا تدخل شيئاً في جوفك من خارجك. أما لعابك فلا ينطبق عليه ذلك.
أحبابي:
سئلت عن ميعاد عودتي إلى الوطن، والإجابة: أنا خرجت لمهام تتعلق بالقضية الوطنية وما يتصل بها من علائق إقليمية ودولية، وعندما أفرغ منها سوف أعود إن شاء الله.
صحيح هنالك بلاغات كيدية أقبل عليها النظام الانقلابي ضدي، ولكنها رابع مرة يفعلون ذلك وأنا برئ مما يأفكون، بل دعائي أن يجعل الله كيدهم في نحرهم. من الغرائب أن نظاماً تلاحق قيادته المحكمة الجنائية الدولية، وأسس ولايته على انقلاب غادر، ومزق البلاد وأشعل فيها الحروب، وارتكب المفاسد ما لا يطاق؛ يرمي ضحاياه بالإرهاب! كل أصحاب دعوة حق واجهوا هذه المكايدات، ولي أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اتهموه بكل قبيح، بل تآمروا ليقتلوه وما بروا وما ظفروا.
وفي موقف مماثل قال الإمام علي بن ابي طالب: تِلْكُم قُرَيْشٌ تَمنَّاني لتَقْتُلَنِي، فلا وربِّك، ما بَرُّوا ولا ظَفِروا فإِن هَلَكْتُ، فَرَهْنٌ ذِمَّتِي لهمُ بذات رَوْقَيْنِ، لا يَعْفُو لها أَثرُ.
إن عزائي في مواجهة هذه المكايدات: أكثركم بلاءً الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل. وقديماً استشهد الإمام المهدي عليه السلام بمقولة: المزايا في طي البلايا والنعم في طي النقم، وقد بشرني بعض الصالحين برؤيا جاء فيها خطاب لي: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) .
وأرسل لي صديق بيت عزاء:
على قَدْرِ فضل المرءِ تأْتي خُطُوبُه ويُحسن فيه الصَّبْر فيما يُصِيبهُ
فمَنْ قَلَّ فيما يَلتقِيه اصطبارُه فقد قَلَّ فيما يَرتجيه نَصِيبُهُ
ختاماً:
أهنئكم جميعاً على حلول شهر رمضان، وأرجو أن نضخم مكاسبنا فيه، وندعو الله أن يرفع عن وطننا وعن أمتنا هذا البلاء، فقد ضاقت واستحكمت حلقاتها وقديماً قيل:
ضاقت فلمَّا استحكمت حلقاتها فرجت وكنتُ أظنُّها لا تفرجُ
ولكن. قال تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) .
هذا مع تحياتي الطيبة وصالح الدعاء.
أخوكم
الصادق المهدي