? ما يغيظ فعلاً هو أن يكتشف الشعب السوداني أن ما كانت تتحدث عنه الحكومة كثيرا من تخطيط وإستراتيجيات، وخطط خمسية وستية وقرنية، جميعها وعن بكرة أبيها – بما فيها المباني الفخمة ومراكز التخطيط الإستراتيجي وجيوش الخبراء والعلماء وميزانيات المؤتمرات والندوات ولافتاتها المنتشرة في مداخل المدن والطرق القومية- هي كلها أشبه بالنشاط الوهمي الذي لم يسعف البلاد، أو يحميها من السقوط في هاوية التراجع الاقتصادي وأزمة الوقود الطاحنة.
?كيف يكون هناك تخطيط إستراتيجي حقيقي يركز فقط في الطرق والكباري، ولا ينتبه ولا يحتاط لما يحتمل من الأزمات و الطوارئ؟
وحكاية الإستراتيجيات مع الشعب السوداني قديمة متجددة، فقد تعود الناس سماع الحكومات وهي تتحدث عن إسترتيجياتها، ولكن الشعب يدرك بالتجربة أن الحكومات لا تتذكر إستراتيجياتها هذه عند حدوث الضوائق، وتصاعد الازمات؛ لأن الحكومة نفسها تتعمد عدم الإشارة الي تخطيطها وإستراتيجاتها التي ظلت تحدثنا عنها كثيراً.
?حال خبراء السياسة وأل التخطيط الإستراتيجي أشبه بحال ذاك الطالب المنتمي لبيئة رعوية، الذي فاجأه أستاذ الرياضيات بأن ينهض لحل واحدة من ثلاث مسائل حسابية بسيطة، ولأن الاستاذ شديد السخرية، ومتأكد من أن الطالب لا يفقه الا في بيئته القروية والرعوية، قال للطالب: (حل واحدة من هذه المسائل؟)، فسأل الطالب أستاذه (احل يا تها؟؟) فرد الاستاذ بسخرية: (حل أم اضنين بييض).
وهذا هو المطلوب الآن من الحكومة وخبراء تخطيطها الإستراتيجي أن يبتكروا حل لازمة الوقود والسيولة، لأنها تشبه تماماً واقع الطالب الذي يجيد حل أغنامه، ولا يعرف شيئاً عن حل المسائل الرياضية.
?سقطت الخمسية والستية والقرنية، ولم تبق إلا الأزمة الخانقة بقرونها المتطاولة تنتظر من يعرف واقعه، ويتعامل معه ببساطة لحلها.
وستبقي سخرية الشعب حاضرة متجددة، وهي السخرية ذاتها التي جعلت امرأة عجوز أدمنت الاستماع إلى الإذاعة في العهد المايوي، وهي تتابع حديث حكومة مايو وقتها عن الخطة الستية، إذ ظل يتردد اسم الستية على مسامع العجوز عشرات المرات في اليوم الواحد، حتى علقت بسخرية: (حكومة النميري ما عندهم شغلة غلبهم البيسوه قبلوا على الستية؟)، والستية هي جارتها، وهي تظن أنها الستية المقصودة، وليس غيرها.
? ستبقي الإستراتيجيات وهمية، والتخطيط تفحيطاً على الورق والحواسيب، ما دام أنه أعجز من أن يتوقع حدوث الأزمات والطوارئ، ويضع الحلول في حال حدوثها