قـدَّر الله، وما شــاء الله فـعـــل..
وزي ما بقولوا (المَـيتة ما بتسمع الصايحة..).
ويا سبحان الله، وقبل أن يجف مداد مقالنا المشفوع بالنصيحة الصادقة للأخ الكريم والي جنوب كردفان، وقعت الفأس في الرأس..فشمِله التغيير الوزاري والولائي الأخير.. ووالله العظيم لم نسمع من أهلنا في القوز (تحديداً) أنهم رأوا من السيد الوالي إلَّا كلَّ خير، ويذكرونه بالخير كذلك.. فهو، مثل ما ذكر لي أحد أهلنا عندما سألتُه عنه (ياهو زيو زي الولاة التانيين، بجوا وبمشوا..وزول طيب).
ولكن طبعاً أن يكون الإنســان طيباً فقط-في زماننا هذا- فهذا لا يكفي، ولكن يجب أن يكون (عارفاً) بقوانين الطِّيبة كذلك، فالطِّيبةُ مثلها مثل أي شيء آخر لها قواعد وقوانين.
*في الأسبوع الماضي كتب الباحث الإسلاموي (المنسـلِخ) دكتور عبد الوهاب الأفندي مقالاً قيِّماً جداً في صفةٍ، أو قُل نظريةٍ مهمة جداً يتبناها إخواننا ناس الإنقاذ في كل أحوالهم.. ما عظُم منها وما لم يعظُم.
يقول الأفندي: “أكبرُ مشكلة تواجه السودان حالياً ليست فقط هي أزماته المتداخلة من سياسية-اقتصادية، واقتصادية-سياسية، وداخلية خارجية، إلخ.. بل هي أن المسؤولين عن الأزمة لا يشعرون بوجودها ولا يرونها، فضلاً عن أن يتحملوا المسؤولية عنها وعن إيجاد الحلول لها.. ولعل الأصح أن يُقال إنهم لا يريدون رؤيتها، ويفضِّلون العَمى والتَّعامي، ما يجعل من الصعب الدخول في حوارٍ حول الأزمة مع من لا يعترفُ بوجودها من الأساس. وقد تم تشكيل آليات الحكم، بحيث تكرِّس هذا التعامي، فكل المقرّبين من القيادة العليا هم من جماعة “نعم، نعم”، بعد أن تم استبعاد كلِّ من لديه أقل نزعةٍ لتنبيه الغافلين إلى طرفٍ من الحقيقة عن بلدهم وأنفسهم..”.
ويمضي د. الأفندي في تشريحه المُبصِر لناس الحكومة، ويقول: “وعليه، لا توجد حالياً عند القوم-أي الحكومة- في السودان أزمةُ وقود، ولا أزمةُ انهيار عُملة، ولا كارثةُ تضخُّم، ولا أزمةٌ سياسية، ولا حروب تدور رحاها، ولا نظام حكمٍ يتكوَّر على نفسه.. وهذا الأمر يخلق إشكالية كبرى في الحوار والتخاطب، وحتى في مساعدة النظام في الخروج من ضائقته، والبلاد من محنتها..”.
ويخلُص أخيراً د. الأفندي إلى ما مفادُه: كيف لك أن تساعد نظاماً على حل مشكلة هو لا يعترفُ بوجودها أصلاً؟!
*كنتُ قد قلتُ للســــيد الوالي المعفي في مقالي آنف الذكر: لو أنه (طنّش وصَهين) عندما اتهمه بعضُ الناشطين بتهريب ذهب جنوب كردفان لمصلحته الشخصية، لكان خيراً له وأحسن تأويلا، بدلاً من أن يفتح بلاغاتٍ في هؤلاء الناشطين، ويجرجرهم ويبهدلهم، حتي لو كان واثقاً مائة بالمائة من بطلان اتهاماتهم له.. وأما أنه قد اختار (المعاضضة) (والمكاجرة) (والجرجرة)، فإنَّ ذلك لن يكون في مصلحته حتماً، وربما أضرَّ به، ولربما ندِمَ عليه !!
والحقيقة، فأنا لم أكُن أرجُم بالغيب، وإنما كان كلامي ذلك من وحْي مشاهدات معروفة وملاحظات معلومة للجميع.. فما من شخصٍ من أهلِ الإنقاذ هذه -كبُر أو صغُر- أُتُّهم بفساد على رأس الأشهاد -وما أكثرُ ما حدث ذلك-إلا طنَّش وصَهيَن..لأنه يعلم أن كلَّ تصرفٍ آخر غير الصَّهينة سيفتح عليه شخصياً بابَ جهنم، وسيفتح كذلك علي (حطب جهنم آخرين) ذات الباب.. وهؤلاء (الحطب) لن يسكتوا.. وأصبحت هذه نظرية سارية، ومفيدة، ولا غنى عنها لأيِّ مسؤول أراد أن (يعمِّر) ويعتِّت مع ناس الإنقاذ.. كما أصبحت من موجِّهات العمل معهم.
*وأما النظرية الثانية (للخدمة الطويلة الممتازة) مع الحكومة فهي نظرية (التشتيت).. وقد أشرتُ إلى هذه النظرية في مقالٍ لي سابق عن وزير النفط -المعفى هو الآخر- “دكتور” عبد الرحمن عثمان في حواره المشهور مع الطاهر حسن التوم في برنامج (حال البلد) عندما (كنكش وعلَّق) في عبارة (مكانها وين، مكانها وين، مكانها وين)، وكان طبعاً بقصد (تشتيت الكورة)، وظلَّ يرددها بإخلاصٍ محبَّبٍ إلي النفس، وبإتقانٍ يدعو إلى الإعجاب، حتي قال المشاهدون ليته سكت.. ولعَمري، فإنَّ تلك المقابلة المشهودة تصلحُ بالفعل (عينةً نموذجيةً) لتدريس، وشرح (نظرية التشتيت) هذه لمن أراد الاستزادة والاستيزار.. والنظرية في مجملها بسيطةٌ جداً: فإذا كنتَ مسؤولاً في الحكومة، وحاصرك مواطنٌ، أو أي (صحفي شليق) بسؤال عن مشكلة، أو أزمة، ففكِّر بسرعة بتوجيه سؤالٍ مضادٍ له، تشتته به، ويكون سؤالُك مباغتاً، وغير متوقع.. ويا حبذا لو كان في طيِّ هذا السؤال اتهامٌ له.. طبعاً، وتلقائياً سينشغل المواطن، أو الصحفي بإيجاد إجابةٍ لسؤالك، بل (سَـيَرفِس عديييل كدة) لو كان هذا السؤال محتوياً علي اتهام.. وفي أثناء ما المواطن، أو الصحفي مشغول (بالرَّفَسي والفرفرة) لحلحلة نفسه من الاتهام تكون أنت قد (شتَّتتَ)، أو دبّرتَ حالك بالمخارجة، أو بقطع المكالمة، وتعمل فيها زهجان، إذا كان السؤال عن طريق الهاتف.. وهذا بالضبط ما فعله السيد وزير النفط (المعفى)، وبحذافيره، وتماماً بتمام !!
*وأما النظرية الثالثة المكمِّلة لـ (ثالوث الحِرْز والملاذ، لكيفية الكنكشة الآمِنة مع ناس الإنقاذ) فهي نظرية (إنكار وجود مشكلة من أصلو) التي أوردناها عن الدكتور عبد الوهاب الأفندي في مقاله القيِّم، المُشار إليه عاليه.
والآن، فإنَّي أُلخِّص لكم النظريات الثلاث هذه، ولا أرجو إلا الثواب وصالح دعائكم:
(١) انكِر وجود مشـكلة من أصلُو..
(٢) طنِّش..صَهيِن..أعمل رايح..
(٣) إذا سُئِلتَ، أو أُستُجوبتَ لَوْلِوْ السائل، وورِّطو بسؤالٍ مُضاد في طيِّه اتهام، وخليهو يرفِس في محاولتو حلحلة نفسو من الاتهام، وأنفُـد بجلدِك أثناء ذلك..
ويجدُر أن نشير هنا إلي أن أيَّ إخلالٍ بأيٍ من هذه النظــريات الثلاث، البسيطة، والسهلة، أو متطلباتها، سيؤدي بصاحبه إلى ما لا تُحمد عقباه.. ولربما فقد وظيفته مع ناس الحكومة.. كما أن أشدَّ الإخلالات خطراً على صاحبها هو الإخلال بموجِّهات (الطناش والصَّـهينة بالذات)، وخاصةً في كل ما هو متعلق بما (يسمي بالفساد).. يعني إنتَ داير تبقي أحسن من المسؤولين المتهمين بالفساد وساكتين ديل؟!!
ذلك أنَّ العمل، وبالأخص، في (متوالية الفساد) يكون دائماً في شكل منظـومة، ومن ثم فإنّ (المناقرة، والمناكرة، والمكاجرة) من أيِّ مسؤول داخل هذه المنظومة سـتجُر معاهو أناساً آخرين (أقوي وأكبر)، وهؤلاء، بطبيعة مكانتهم لديهم حساسية بالغة ضد الجرجرة، وقاعدين على الهبشة، مما يجعل رِدة فعلهم علي المسؤول (المُناقِر) سريعةً، ومباغتة واجتثاثية..
فالحذر الحذر..