من مشكلاتنا المزمنه (مشكلة الهويه) التي يستحيل حلها، ويصعب فهمها في ظل مفاهيم عرقية وقبلية ودينية نحسبها حقاً، وهي باطل. نكتبها علي الورق بطريقه منمقة وجذابة ظاهرياً، ولكن نمارسها في الواقع بسلوك همجي وأناني قمئ ترفضها الفطرة السوية.
من المؤسف ان نمارس تمجيد القبيلة في بلد يسعي إلى تمتين الوطنية وإعلاء قيم القومية.
مفهومنا لمصطلح النسب تشوبه شوائب كثيرة من اللغط العنصري والتشويه الديني الذي طالما أضر بالتعايش الاجتماعي، وخلق حواجز بين أبناء الوطن الواحد، وكان حجر عثرة في طريق التمازج وخلق وجدان شعبي واحد .
هل حقاً هناك نسب شريف وآخر غير شريف ؟
وهل يحاسبنا الله علي اساس قبيلتنا أو عشيرتنا الاقربين أو النقاء العرقي الذي يتوهمه الواهمون ؟
الثقافة العربية الجاهلية ما قبل الاسلام اشتهرت بالاعتداد بالقبيلة والتفاخر بها لدرجة التعالي والكبر، بل بين بطون وأفخاذ القبيله الواحدة مما خلق بينهم البغضاء والتشاحن والحسد، وكانت مانعاً للاتحاد فيما بينهم، والتطور والارتقاء لصناعة حضارة كمثيلاتهم من الامم، ويبدو أن هذه الخلفية القبلية للعرب قد أثرت سلباً في مفهومنا الديني (للنسب)، وحشر الفهم الجاهلي حشراً في (الحديث والسيرة).
فتم تصنيف البشريه لأصناف أنقاهم وافضلهم العرب، وفي العرب أرفعهم نسباً قريش وأطهرهم عرقاً بنو هاشم ، فطفق المسلمون عامة واهل السودان خاصة في التفاخر بانتمائهم العربي، ومنهم من لم يرض إلا بالنسب القرشي، وآخرون قصدوا سنام العرق العربي فالتحقوا بالهاشميين نسباً.
لست هنا لأشكك في نسب الناس بقدر أن كل هذه الأنساب لا تعني شيئاً أمام الله سبحانه وتعالى، وأمام الذات السوية، فهو تفاخر وهمي باسم الدين (وهو برئ) للهروب من عجزنا الفكري والعلمي، واستدعاء عرقي بأسلوب استعلائي بغرض تحقيق امتياز دنيوي يبيح لنا التسلط والتنعم والاستوزار ،
لن ننال علو المكانه ورفعة المقام الا بالتقوي التي تتضمن عطاءنا البشري، ونفعنا ومساعدتنا لعباد الله، ومساهمتنا في تطور البشرية وتقوية الاسلام بالأخذ بالأسباب، واكتشاف اآات الله في الكون ،،
تفاخر السودانيين بالقبيلة والتمادي في اظهار قوتها وعزتها وكثرتها دليل علي إحساسنا بالخطر والتفرقة العنصرية والتشرذم الوجداني؛ لذلك نسعي إلى الاستقطاب العرقي وزيادة الحمية القبلية علي حساب الوطنية والقومية، جعلنا الله شعوباً وقبائل لنتعارف ونتمازج لا أن نمارس الاستعلاء والكبر العرقي الذي يؤدي لاستحقار الآخرين واستفزازهم .
انتشار الالقاب القبلية ومسمياتها علي المحال والمتاجر هو تخلف زمني وخنجر في صدر انتمائنا الوطني القويم، فلنفتخر بهذا الوطن وتاريخه ورموزه الوطنيه دون اعتبار لانتمائهم القبلي والجهوي ،، نصبح صحيحي الدين والوطنية حينما نفتخر بإنجازاتنا في مجال العلم والفكر والثقافه، حينها نتعايش سلمياً ونترابط اجتماعياً عندما ننظر لمن حولنا ونري بشريتهم وانسانيتهم التي طمسناها بتعمقنا في الفخر الذاتي و(الآنا) .
واستصحب معي قول عنتر بن شداد الذي نال الفخر والرفعة بمجهوداته لا باتكاله علي حائط القبيلة والماضي :
إن كنت في عدد العبيد ،، فهمتي فوق الثريا والسماء الاعزل .
او انكرت فرسان عبس نسبتي ،، فسنان رمحي والحسام يقر لي .
وبذابلي ومهندي نلت العلا ،، لا بالقرابة والعديد الأجزل .