الروائي الإيراني ” أصغر فرهادي” له رواية بعنوان (الجميع يعرفون) تدور أحداثها في مدينة صغيرة وخلاصتها أن الناس لا يخفى عليهم شئ فلا داعي للتجمّل الكاذب لأن المدينة أصغر من أن تتجاهل (أثار أقدام اللصوص)!
وكل الناس يعرفون ما تطبخه الأسرة الأخرى وما يحتويه مخزن العائلة في طرف الشارع! وكذلك الحال في (الخرطوم)! الناس يعرفون مَنْ أكلوا المال العام، ورتعوا فيه، وبشَموا منه؛ يعرفونهم بـ(سيماهم)! وأنت الآن يا صديقي لو سألت أي شخص في طرف الشارع في أي ركن من العاصمة المثلثة فسيذكر لك أسماء (ثمانية أو عشرة أشخاص) لو وضعت الدولة يدها على (ما أصبح في حوزتهم) لامتلأت الخزينة العامة ولصار الإقتصاد السوداني (يقدل ويخوجل) بين اقتصادات الكوميسا والإيكواس و(دول البركس) ولاستوت عملتنا المحلية (على سوقها) تعجب البورصات وتغيظ الدولار واليورو والسوق الأوربية المشتركة!
ولكن إذا سأل سائل عن سر التباطوء في اشعال الحرب المُعلنة على الفساد سيقولون: لقد دهمنا رمضان! أو إننا نرتّب لشراء أثاثات المكاتب والنيابات..أو نحن في انتظار عطلة الصيف..فهناك ألف عذر وعذر للمماطلة عندما يكون الأمر أمر مواجهة الفاسدين، (وليس قرار اكتساح مواقع ستات الشاي وأطفال الدرداقات المساكين)! لكن الخبر الذي يتمنى المرء ألا يكون صحيحاً رغم التداول الواسع، هو الذي يقول إن محكمة جرائم الفساد ومخالفات المال العام قامت في بواكير عملها بتوجيه تهمة الاتفاق الجنائي والسرقة في مواجهة سائقين إثنين بمستشفى الأمراض الجلدية بالخرطوم بسرقة (مروحتى سقف) تخصان المستشفى! يا لجريمة المال العام المروّعة! إذا صدق هذا الخبر (فيا فؤادي رحم الله الهوى.. كان صرحاً من خيالٍ فهوى)! ولن ينتظر أحد بعد هذا ملاحقة الفساد والمفسدين، مع أن أوضاع وأحوال الفساد أصبحت معلومة و(بالتفاصيل المملة)؛ والسبب في ذلك بسيط جداً: وهو أن أهل الفساد وناهبي المال العام لا يخفون ذلك بل يتباهون بفعلتهم، ويظهرون ثرواتهم بلا مواربة، ويمتلكون الحيازات والعقارات هنا وفي (مدن العالم اللامعة) ولا يجدون أنفسهم مطالبين بتوضيح مصادر أموالهم ولا يخشون أن يواجههم أحد (بالسؤال البايخ أياه): من أين لك هذا!
إذا صح هذا الخبر فإنه لا يماثله في الغرابة وفي (حشو الأفواه بالتراب) للذين يتنظرون محاكمة الفساد أو ْتقليص الصرف الحكومي والحرص توجيه المال العام نحو المسارات الصحيحة؛ لا يماثله إلا الخبر الذي يقول إن الدولة قررت بسبب الأزمة الاقتصادية إلغاء (فطورات رمضان) الرسمية هذا العام!! بين كل منافذ الصرف الحكومي الملياري العجيب الذي قصم ظهر الميزانية لم تجد الدولة ما تقبض يدها عنه سوى (فطورات رمضان)! هذا كل ما استطاعت الدولة أن تفعله من أجل تخفيض الإنفاق في عنفوان الأزمة الإقتصادية الخانقة! من أجل تغطية فروقات الناتج الإجمالي وميزان المدفوعات وكبح التضخم الجامح ياترى كم يمكن أن توفر الدولة من عائد (بليلة وعصيدة رمضان)؟!
murtadamore@yahoo.com