يوم الأحد 27 مايو غمرت السيول قرية صواردة الواقعة أقصى شمال السودان، والكارثي في الأمر أن السيول قادمة من مواقع انتشار أنشطة التعدين العشوائي (للمعدنين والشركات)، حاملة السموم المختلفة لتنقلها إلى النيل والقرى المجاورة، ومن المتوقع أن يتسبب ذلك في زيادة تأثير هذه الملوثات بصورة كارثية.
شرق صواردة ينتشر التعدين الأهلي بصورة واسعة ويتم تجميع كل الخام في سوق يبعد نحو 1 كيلومتر من القرية، كما توجد شركة المجموعة الدولية التي تبعد نحو 3 كيلو مترات من المواقع السكنية، وقد بدأت أنشطتها سابقا بنظام الأحواض المفتوحة، وحالياً بدأت النشاط التجريبي لمصنع يعمل بنظام التناكر (CIL) رغم الاعتراض الواسع من السكان.
أولى مخاوف السكان تمثلت في استخدام المصنع للسيانيد ووجوده في مجرى للسيول، ودون معرفة أو أدلة نفت الجهات الرسمية هذا الشئ مرارا !!
ويجدر بنا أن نشير هنا إلى أن التصديق للمصانع وأسواق التعدين الأهلي يتم بصورة لا تراعي عوامل أساسية (البعد عن القرى والنيل، والتصريف الطبيعي للمياه، وسرعة واتجاه الرياح، ودرجات الحرارة وشدة الإشعاع الشمسي… وغيرها من العوامل المهمة). إضافة إلى أن عمليات التعدين تفتقر إلى التخطيط والتنظيم والمتابعة والتقييم، بما يخالف القوانين المحلية والعالمية، لذا فإن هذه الأنشطة تعدّ عشوائية (الشركات والتعدين الأهلي)، كما أنها مهددة لصحة البيئة وحياة السكان.
معلوم أن انتشار الملوثات المرتبطة بعمليات التعدين تتم بطرائق مختلفة من ضمنها تبخر هذه المواد للجو، وتسرب الملوثات للتربة والمياه الجوفية، وانتقال الأتربة والغازات عن طريق الرياح، إضافة إلى انتقالها عن طريق المياه سواء كانت الأمطار أم المياه الجوفية والسيول، وهي من أخطر طرائق انتقال الملوثات.
وتتعدد هذه الملوثات، فإضافة إلى السيانيد والزئبق يوجد عدد من المعادن الثقيلة السامة التي يتم التخلص منها بصورة عشوائية في العراء، مثل: الرصاص والزرنيخ والكادميوم..الخ وهي ملوثات شديدة الخطوة، وقد تسببت في كوارث كبيرة عالمياً.
سابقاً أُجري عدد من الدراسات العلمية من جهات رسمية أو تمت اجازتها بواسطة أجهزة الدولة لصالح الشركات، وتمت من قبل خبراء في مجالات كثيرة، ورغم توفر هذه الدراسات، ولكن لم يتم نشر نتائجها.
باستعراض الوضع في صواردة والمناطق على الضفة الأخرى للنيل (أبراقة على سبيل المثال) قبل السيول نجد انتشاراً واسعاً للتلوث في مياه النيل، وباستعراض بعض الأمثلة نجد:
– الزئبق في المياه الجوفية بلغ 398.1ppb ، وهو تركيز مخالف للمعايير المحلية والدولية (حسب دراسة قامت بها هيئة جامعة الخرطوم الإستشارية)، كما أن تركيزات الزئبق في النيل أيضاً مرتفعة، كما بلغ تركيز الزئبق 6531ppb في طمي النيل في موقع مقابل لقرية أبراقة، وقد حددت المعايير منظمة الصحة العالمية الحد الأعلى ب 100ppb.
– الكادميوم بلغ تركيزه في صواردة 52ppb ، وفي أبراقة 38ppb ، وهي أيضاً معدلات مرتفعة جداً بالمقارنة مع المعايير المحلية للشركة السودانية للموارد المعدنية التي حددته ب 2ppb.
– الرصاص بلغ تركيزه في صواردة 117ppb، وحسب المعايير التي وضعتها الشركة السودانية يجب ألا يتجاوز 7ppb، كما أن منظمة الصحة العالمية حددت 15ppb كتركيز أعلى يجب التدخل الفوري عند تسجيله.
– الزرنيخ بلغ تركيزه في صواردة 9ppb ، وفي أبراقة بلغ التركيز 2.547ppb ، وهو معدل مرتفع للغاية اذا علمنا أن وكالة حماية البيئة الأمريكية حددت 2ppb كتركيز يعرض من يتناول المياه منه لخطر الإصابة بالسرطان.
هذا إضافة إلى أن تركيزات المعادن الثقيلة السامة مرتفعة للغاية في طمي النيل، وتربة المناطق المحيطة بأنشطة التعدين.
هذه نماذج محدودة للتعرف إلى درجة التلوث في النيل، وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن هذه المعادن التي ذكرت مسببة لمشكلات الجهاز التنفسي والهضمي والعصبي وتؤثر في البصمة الوراثية، وحدوث الإجهاض، ومشكلات الأجنة، كما تسبب التقرحات والمشكلات الجلدية، إضافة إلى مشكلات الكلى والكبد وضغط الدم والسكري والسرطانات وأمراض القلب.
لذا، فإن السيول التي حدثت تعدّ كارثية بكل المقاييس لنقلها المزيد من الملوثات الموجودة في مناطق التعدين إلى مواقع مأهولة بالسكان، وتنتشر فيها الزراعة، وكون وصول السيول للنيل سيوسع من مدى انتشار التلوث.
يتطلب هذا الوضع إجراء دراسات على وجه السرعة؛ لتحديد آثار هذه السيول ووضع المعالجات اللازمة، وهذا يتطلب إجراء الدراسات من الجهات الرسمية المعنية بالصحة وحماية البيئة، بمشاركة كاملة من المواطنين المتأثرين، والمنظمات المحلية والعالمية ذات الصلة.
المصدر: نبوكين