ليس بدايةً بوزير الخارجية السابق إبراهيم غندور الذي كشف أمام الملأ إفلاس البنك المركزي، ولا انتهاءً بوزير المالية الحالي محمد عثمان الركابي الذي وضع الجميع أمام الصورة الحقيقية للوضع القاتم.. هناك ما يشبه (اتفاق رسمي) للإدلاء بتصريحات تكشف حجم الأزمة بشفافية مطلقة غير معهودة.
بعد حديث غندور أمام البرلمان كان وزير النفط يتحدث بقتامة عن مخزون الوقود بل قال إنه ليس هناك مخزون والمتوفر يكفي حاجة البلاد لشهر واحد، كان ذلك قبيل شهر رمضان، ثم كان النائب الأول رئيس الوزراء؛ بكري حسن صالح الذي سار في اتجاه إعلان الإفلاس للدرجة التي عجزت فيها الدولة عن توفير فاتورة صيانة المصفاة، ثم كان وزير النقل الذي قال إن شركة الخطوط الجوية السودانية مديونة في أي محطة خارجية، ثم توالت التصريحات الشفافة من نواب برلمان وحزبيين وغيرهم.
وهو ما لم تجرِ عليه العادة، وهذا في حد ذاته يستدعي الوقوف مقروناً مع اعتذارات من أعضاء حزب المؤتمر الوطني عن تقلد مناصب، كانت اعتذارات أشبه بالتمرد.
لكن حديث وزير المالية الذي كشف فيه المستور يعكس تماماً وبشكل واضح أن حصاراً مضروباً على الخرطوم، حصار خارجي وقبله داخلي، ولن ينفك إلا عبر شروط باتت معلومة للجميع لكن لا أحد فيما يبدو يجرؤ على قولها صراحة، فتراهم يدلون بالتصريحات الشفافة في كل مرة مع الإشارة ضمنياً إلى الأزمة “مكانها وين”.
أن يقول الركابي إنهم لهثوا خلف أية جهة وعدت أو حتى لمحت بالتمويل لكن دون جدوى، يعني ذلك أن الأمر بلغ حده وأن الحكومة ليس أمامها أي حل وما يثبت ذلك أن البنك المركزي لجأ إلى حيلة شيطانية لاستعادة الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، بإعلانها أن تزويراً طال فئة الـ”50″ جنيهاً وهو مضطر إلى تغييرها، وهو ما سيجعل الكتل النقدية خارج المصارف تدخل النظام المصرفي مضطرة.
قرار المركزي وحديث الركابي يقودان إلى حقيقة واحدة باتت بائنة أمام الجميع، وهي أن الوضع بلغ الحافة وأن احتمالات الحلول صفر.
بشكل كامل اعتمد الاقتصاد أو قل تسيير الأوضاع على الدعم الخليجي نظير المواقف السياسية المؤقتة، لكن حتى هذا الدعم توقف تماماً رغم أن المواقف السياسية للسودان ما زالت ثابتة، لكن الواضح كالشمس أنَّ الأزمة الخانقة حلها بات مربوطاً بتصريح واحد لا يتعدى بضع كلمات، تصريح يُعلن فيه التخلي عن السلطة طواعية؛ وهذا أقرب إلى المستحيل.