يظل القطاع التقليدي السوداني مهملاً عبر منتوجاته القطن والصمغ والسمسم والفول السوداني والمحاصيل النقدية والأغذية التقليدية كذلك، ويشتهر السودان (دون غيره) من الدول على مستوى العالم بهذه الميزات التفضيلية المهمة، التي بدورها لا تستغل بوضع مثالي وتفضيلي.
وإذا نظرنا لواقع القطاع الاقتصادي الرسمي التي تشرف عليه منظومة مجلس الوزراء بوزاراته المترهلة، نجد أن الاهتمام الوحيد يتركز في ن قطاع التعدين المعتدي عليه دون رقيب.
وبتتبع خيوط العائد المرجو من هذه الوزارة نجدها أعلنت قبل أيام بأن عائد الذهب في هذا العام اقترب من النصف مليون دولار فقط، وهو بالطبع عائد غير وارد في مسألة الحل في خضم التردي الذي ضرب القطاعات الحيوية في مقتل، بدليل أن السيد رئيس الوزراء أعلن في ذات الأيام وتحت قبة البرلمان بأنهم عجزوا عن توفير مئة مليون دولار وخمسها من القيمة في توفير متطلبات صيانة مصفاة الجيلي، الأمر الذي نتج منه تعطيل وعدم توفير حركة الوقود والمحروقات من ذاك الزمان حتى اللحظة الراهنة.
فالسؤال الذي يطل برأسه وبقوة أين عائد الذهب الأصفر من متطلبات توفير الذهب الأسود(البترول) لاحتياجات المستهلكين؟ وبالطبع هذا ينم عن عدم وضوح الرؤى، فهذا نموذج واحد دون غيره من النماذج الأخرى التي ارتكزنا عليها في تحليلنا هذا، ونحن ننقب في أتون الأزمة.
فعلى سبيل الوصف لا المثال، إذا أخذنا دولة إثيوبيا الوليدة طبعاً (وليدة)..!! لأننا كنا بالنسبة إليهم في سابق الأزمان مثالاً يحتذي به للدرجة التي جعلتنا نمد لهم يد العون منذ منتصف القرن المنصرم، خصوصاً عندما قامت سودانير بإهدائهم أول طائرة في حياتهم لتأسيس الخطوط الجوية الأثيوبية، التي بدورها وإدارتها الرشيدة ستتسلم الشهر المقبل الطائرة رقم 100 في أسطولهم الجوي الذي يشق العالم شرقه وأوسطه وأدناه دون توقف برحلات منتظمة، ونحن نعجز عن تسيير رحلة واحدة داخلياً وخارجياً في الوقت الحالي.
إذن أين تكمن المشكلة فالمشكلة بالطبع تتعلق بالإدارة الفاشلة لمؤسساتنا وقطاعاتنا المختلفة، وبتواصل مستمر في مناحي الفشل مصحوباً بالتباكي سراً وجهراً، عويلاً مستمراً، كأني بالواقع يسوقنا إلى أسفل سافلين.
وتراني أشفق من مرد الحال والأحوال دون توقف إلى حين أن ينعدل الحال وتزول الأحوال السيئة، ونعبر إلى الضفة الأخرى بأمان، وإلى أن تتحقق هذه الأمنية سنظل نكابد ونجاهد إلي أن ينصلح الحال، ويتبدل حول واقع معافى يخرج البلاد من شرها ومستطيرها وطائرها الشؤم كما يقول فرانسيس دينق.
نتمنى أن تضع الأجهزة المختصة هذا التدهور في الحسبان، وتركز ركوزا كالذي ينتظر ألم السياط على ظهره في حلبة (الركوز)، ويحتم عليها أن تعتمد على ذوي الخبرة، والبلاد بالطبع حبلي بهم كبيرهم وصغيرهم فهم يمثلون ترياق المخرج الوحيد من الأزمة، ولا بأس أن تشاركهم الأجهزة المختصة إدارة الشأنين الداخلي والخارجي، ربما سنخرج حينها من عنق الزجاجة المحكم قفله هذه الأيام.
فالحالة الراهنة تحتاج إلى تلافي الجراحات والمرارات وإبداء صفاء النية والثبات، والعمل بروح الفريق الواحد لمجابهة تحديات الراهن، والعبور بأمان الي مناحي تحول اقتصادي يضمد الجراح، ويطفئ ألمها، ويسكن أعراضها بوضع سياسات اقتصادية رشيدة ومحكمة قاسمها المشترك الخبرة، والإلحاح إلى تنزيل السياسات على أرض الواقع.
وبالعودة الي المقارنة التي أجريناها في صدر مقالنا هذا نجد أن الجارة إثيوبيا أعلنت اليوم بأن صافي عائدها المتنزل على الميزانية العامة في هذه الفترة التي لا تتعدي بضع من الأشهر اقترب من المليار دولار إلا قليلاً من واقع تصديرها الشاي والبن فقط، وهذا إن دل إنما يدل على شيء يحير القلوب، ويجعلها تزيد من ضرباتها المؤلمة في دواخلنا جراء ما نقترفه بأيدينا من تردٍ وتراجع نعرف في معطياته مكامن الخلل والغلو وسوء الإدارة، وإن شئت الدقة اللامبالاة.
ختاماً: قوموا إلى خبرائكم يرحمكم الله، واستفيقوا من نومكم الذي طال يهديكم الله.