لندن – التحرير:
ناقشت “مائدة مستديرة” في “تشاتام هاوس (المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية) الإثنين 18 يونيو 2018، الوضع في دارفور ومستقبل قوات “يوناميد” (قوات حفظ السلام) وفيما وجُهت انتقادات شديدة لـ ” تناقضات” تضمنها تقرير أصدره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بشأن الأوضاع في دارفور”، تم التشديد على أن “هناك ضرورة لبقاء قوات بعثة السلام الدولية ، مع إجراء بعض الاصلاحات في بنيتها”
المداولات تضمنت إشارة إلى أن “طبيعة النزاع في دارفور تغيرت” وأن “تركيز بعثة السلام في دارفور يجب أن يتحول إلى جبل مرة”، وأنطلق تحذير من “خطر حدوث نزوح جديد (للنازحين)، ووجهت دعوة “لبناء السلام في دارفور”، كما ذُكر أن “قضية دارفور هي قضية وطنية، وليست محلية وأن ” المجتمع الدولي تراجع من التزاماته كافة بشأن القضية السودانية في دارفور”.
المشاركون في الندوة
شارك في النقاش المسؤول السابق في (يوناميد) بيتر شومان، و الباحث المستقل جروم تبيانا، والباحث المشارك بكلية القانون بجامعة لندن أحمد حسين آدم، ومسؤولة وحدة السودان بالخارجية البريطانية نتالي بالمر، وأدارت الندوة “الزميلة المشاركة في (تشاتام هاوس) السفيرة الدكتورة روزاليند مارسدن.
شومان: تركيز (يوناميد) يجب أن يتحول إلى جبل مرة
المسؤول السابق بـ (يوناميد) بيتر شومان قال إن تركيز بعثة السلام في دارفور يجب أن يتحول إلى جبل مرة، أما بقية مناطق دارفور الأخرى فرأى أنها تحتاج إلى مخاطبة القضايا التنموية، مثل التغيير المناخي، والفقر، وبناء المؤسسات، لأن طبيعة النزاع في دارفور تغيرت ، مشيراً إلى عدم وجود قتال بين الحركات المسلحة والحكومة.
وأضاف أنه في حال تم استغلال 10 في المئة من نفقات ( يوناميد) فان ذلك في مقدوره أن ينجز الاستقرار ورفاهية أهل دارفور.
جروم: خطر نزوح جديد
الباحث المستقل جروم تبيانا فقال إن التقديرات المبالغ فيها للوضع في دارفور يجب أن لا تُستخدم للتغطية على المعوقات المالية وتقديرات صناعة القرار السياسي، ونبه إلى أن خطر حدوث نزوح جديد ( للنازحين) ودعا إلى أن يوضع ذلك في الاعتبار، بالإضافة إلى إيلاء اهتمام بالقضايا الحدودية والإقليمية، كما شدد على أن هناك ضرورة لبناء السلام في دارفور، وقال إن الجهة الشرعية الوحيدة التي يمكن أن تقوم بذلك هي لجنة أمبيكي ( لجنة الوساطة الأفريقية) التي أكدت بصورة مضطردة أن قضية دارفور هي قضية وطنية، وليست محلية.
أحمد حسين: النازحون يطالبون ببقاء قوات (يوناميد)
الباحث القانوني بجامعة لندن أحمد حسين آدم، فرأى أن النقاش بشأن مستقبل (يوناميد) ينبغي أن يأخذ في الاعتبار رأي النازحين والمدنيين عامة في دارفور، وقال إنه تحدث مع عدد من قيادات النازحين، وأضاف أنهم رغم انتقاداتهم لأداء ( يوناميد) لفشلها في حمايتهم وتطبيق تفويضها إلا أنهم يرون أن هناك ضرورة لبقاء قوات بعثة السلام الدولية في دارفور، مع إجراء بعض الاصلاحات في بنيهتا وأدائها، حتى لا تستمر كأداء من أدوات النظام السودان ( نظام الرئيس عمر البشير).
وأضاف أن القرار الخاص بخفض قوات (يوناميد) أو بربط تفويضها بمنطقة جبل مرة فقط هو قرار لا ينهض على حقائق الأرض في دارفور، واعتبر أن قرار مجلس الأمن الذي نص على خفض قوات السلام في دارفور العام الماضي قائم على تقديرات سياسية بحتة، وكذلك على الضغوطات المالية التي تعاني منها موازنة الأمم المتحدة، خاصة بعدما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب خفض مساهمة أميركا في موازنة الأمم المتحدة، الأمر وقد تأثرت بالقرار أكثر من 13 بعثة أممية للسلام في العالم، وبينها بعثة ( يوناميد).
وقال إن قرار الأمم المتحدة يمثل تراجعاً وخيانة لأهل دارفور، الذين يعانون من الإبادة الجماعية في القرن الـ 21، كما رأى أن القرار يتعارض مع المبادئ الأخلاقية والقانونية ، التي تأسست في ضوئها الأمم المتحدة، كما قال إن قرار خفض قوات ( يوناميد) في دارفور يجسد ترجيح البراغماتية السياسية على الاعتبارات والأسس الأخلاقية، وأكد أن القرار تجاهل 4 مطلوبات حددها الأمين العام للأمم المتحدة في العام 2012، حيث ربط الخروج الاستراتيجي لـ ( يوناميد) بتحقيقها ، وهي تكمن في تحقيق السلام، وتوفير الأمن والحماية للمدنيين، وسيادة حكم القانون، وحماية العاملين في المجال الإنساني.
وفيما قال أحمد حسين إنه بعملية جرد بسيطة لا نجد أياً من هذه الأهداف والمطلوبات قد تجسدت على أرض الواقع، شدد على أنه من المؤسف أن المجتمع الدولي قد تراجع من التزاماته كافة بشأن القضية السودانية في دارفور، حيث تجاهل مجلس الأمن قراراته الصادرة تحت الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، خاصة القرار 1556، الذي طالب الحكومة السوداني بتفكيك وتجريد مليشيات ( الجنجويد)، ومنها ( قوات الدعم السريع).
انطونيو غوتيريس
ووصف أحمد حسين التقرير الأخير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة بأنه تقرير متناقض في كثير من أجزائه، حيث أشار التقرير على سبيل المثال إلى النزوح المستمر في دارفور والانتهاكات المستمرة ضد النازحين، وأن جذور النزاع في دارفور لم تحل حتى الآن، بالإضافة إلى تأكيد أن عملية جمع السلاح ليست شفافة أو شاملة، لأنها تستهدف بعض الاثنيات، كما أكد التقرير أن هناك معوقات عدة وضعتها الحكومة السودانية وعرقلت أداء ( يوناميد) لمهمتها.
وبشأن التناقض في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة تساءل أحمد عن مغزى خفض قوات حفظ السلام إذا كان الوضع في دارفور على حاله كما جاء في التقرير الأممي، وقال إن خفض قوات (يوناميد) وتحديد تفويضها في منطقة جبل مرة يرسل رسالة تشجعية للمليشيات بأنها قد انتصرت في الحرب، وأنها يمكن أن تفعل بالمدنيين ما تريد، ما سيقود إلى مذابح وانتهاكات جديدة لا يعرف مداها إلا الله، كما تساءل أحمد عن الجهة التي ستملأ الفراغ في حال خفض قوات ( يوناميد) أو سحبها، ورأى أيضا أن التقرير الأممي لم يقدم أية ضمانة تحول دون انفجار الوضع مجدداً في دارفور.
وخلص أحمد حسين إلى أن النزاع في دارفور لم ينته حتى الآن، لافتاً إلى أن ملايين من أهل دارفور مازالوا بين نازح ولاجئ، وأن أراضيهم مازالت محتلة، ودعا في ختام حديثه إلى أن يتحمل مجلس الأمن الدولي مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه المدنيين في دارفور، وذلك بمراجعة القرارات المنظمة الدولية بشأن ( يوناميد)، وقال إن البعثة الأممية تحتاج إلى مراجعة في بنيتها وقيادتها حتى تطبق تفويضها، وحض مجلس الأمن إلى الضغط على النظام في السودان ( نظام الرئيس عمر البشير) لوقف سياساته التعويقية، وتطبيق قرارات الفصل السابع.
نتالي: الاختبار الحقيقي للاستقرار يكمن في العودة المستدامة
أما مسؤولة وحدة السودان بالخارجية البريطانية نتالي بالمر فقالت إن دارفور لا يزال الوضع فيها هشاً بصورة كبيرة، وأكدت أن الاختبار الحقيقي للاستقرار يكمن في العودة المستدامة للاجئين والنازحين، ورأت أن هذا لم يحدث حتى الآن بصورة جيدة، وفيما قالت إن بعثة ( يوناميد) تلعب دوراً مهماً في حماية المدنيين، وتسهيل وصول الإغاثة، أكدت أن بريطانيا بوضعها “حاملة قلم ” في مجلس الأمن بشأن دارفور فإنها تعتقد أنه لايزال هناك دور لتلعبه ( يوناميد) ، وأن أي تغيير في البعثة الدولية يجب أن يدار بعناية، لضمان الجهود المرونة التي تخاطب وتركز على حكم القانون.
يشار إلى أن الندوة شهدت نقاشاً حيوياً من المشاركين من الخبراء والأكاديميين والمتهمين بالشأن السوداني من السودانيين وجنسيات أخرى.