محاسن محمد عبد العال فضل من أسرة أم درمانية، وتعود أصولها إلى الولاية الشمالية في دنقلا. وقد كان جدها لأمها محمد أحمد فضل أول ناظر لمدرسة ابتدائية للأولاد افتتحها الإنجليز في عام 1902م، وكانت تقع في منطقة برج البركة الحالي.
وبالمناسبة جدها لأمها هو أيضاً عم لوالدها، بمعنى أنهما أبناء عمومة، وقد حظيت بأسرة متعلمة. وأذكر أن جدها أدخل بناته في مدرسة الأولاد، وذلك لأنه لم تكن في ذلك الوقت مدارس للبنات، وعلم بناته حتى المرحلة الثانوية، إذ ألحقهن بمدارس الاتحاد العليا.
وأذكر أن خالتها والدة فاطمة أحمد إبراهيم وخالتها الأخرى تزوجتا وهما في المرحلة الثانوية وتركتا المدرسة، ولكن والدتها زينب محمد أحمد فضل الناظر واصلت تعليمها حتى امتحنت الشهادة البريطانية العليا، وفي هذه الفترة وقعت حادثة، إذ إنه عندما تم قبول البنات بمدرسة الاتحاد الثانوية اشترطوا ألا يدرسن الدين المسيحي؛ لأنهن مسلمات، وأن يدرسهن أهلنا الدين الإسلامي بطريقتهم، حيث كن يدرسن بالمساجد وفي البيوت.
وأذكر أنه عندما أرادت والدتها أن تمتحن شهادة لندن أبلغوها أنها إذا لم تمتحن مادة الدين المسيحي فلن تعطى شهادة، فقامت بإبلاغ والدها فقال لها ماذا ستفعلين؟ فقالت له: إن مديرة المدرسة سوف توفر لي الكتب والمذكرات، وسوف أمتحن هذه المادة لكي أنال الشهادة.
وفعلاً امتحنت المادة فأحرزت أعلى درجة، وتفوقت حتى على المسيحيات، وتخرجت وعملت أستاذة لمادة اللغة الإنجليزية بالمدرسة نفسها.
ومن هذا يتضح أن الدكتورة محاسن من أسرة متعلمة أماً وأباً، ووالدها محمد عبد العال من أوائل خريجي كلية غردون، وقد كان مهندساً زراعياً، ولذلك لم يتردد في إدخالها المدارس، إذ التحقت بمدرسة الراهبات حتى أكملت منتصف المرحلة الأولية، وذهبت بعد ذلك إلى مدارس الإرساليات، وبعد ذلك تم افتتاح مدراس الحكومة، وواصلت حتى المرحلة الثانوية ثم الجامعية، وبعد أن تخرجت في الاحفاد عملت بها، وتم بعثت إلى كلية التربية بجامعة اكسفورد، حيث نالت الماجستير في التربية والإدارة، وتدريس اللغة الإنجليزية، وعادت للعمل بجامعة الأحفاد مرة أخرى.
تعدّ الأستاذة محاسن محمد عبد العال إحدى أبرز رائدات الحركة النسوية في السودان، ومن أوائل النساء اللائي عركهن العمل العام منذ سنوات النضال ضد المستعمر، إذ إنها من النساء القلائل اللائي حصلن على عضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، وقتما كان الحزب مارداً جبارا،ً وزعيماً للأحزاب الشيوعية في الشرق الأوسط كافة، وكل المنطقة العربية والإفريقية.
وقد نشأت الاستاذة محاسن في أسرة أم درمانية متعلمة، وقد مكنها ذلك من إكمال كافة المراحل الدراسية، التي بدأت بمدرسة الراهبات، مروراً بأم درمان الثانوية العليا للبنات، وثم جامعة الأحفاد التي درست فيها علم النفس، ونهاية بجامعة أكسفورد التي درست فيها بكلية التربية، حيث نالت الماجستير في التربية والادارة وتدريس اللغة الانجليزية، وقد ظلت الاستاذة محاسن تدرس بجامعة الأحفاد التي قابلت ذلك بوفاء أكبر، حيث ظلت تحصل على معاش يساوي معاش الحكومة عشر مرات – كما قالت -، وقد تشرفت الأستاذة محاسن كما جاء على لسانها بأن اخترقت الرصاصة قدمها في أثناء تظاهرة ثورة أكتوبر، وبالتالي حظيت بشرف الرصاصة ثمناً للنضال من أجل الحرية والديموقراطية.
وقالت: “انتظمت عضواً في الحزب الشيوعي، وأنا طالبة بالمرحلة الثانوية العليا منذ الخمسينيات، وكذلك انتظمت في الحركة النسائية منذ تأسيس الاتحاد النسائي والتنظيمات النسائية الأخرى، وهذه المشاركة أفادتني كثيراً، وصقلت مفاهيمي ومواقفي في العمل السياسي والعمل النقابي”.
وأضافت المناضلة محاسن عبدالعال: “بكل صراحة، كانت المرأة السودانية لصيقة بالقوى السياسية الوطنية المختلفة، ولذلك عندما جاء نظام الرئيس عبود وحلّ كل التنظيمات والأحزاب السياسية والجماهيرية والنقابية، ومن ضمنها الاتحاد النسائي، كان قرار حل هذه التنظيمات في 17 نوفمبر 1958م، وفي صباح اليوم التالي أعلنت القوى السياسية والاتحاد النسائي أنها ستظل تعمل من أجل استرداد الديموقراطية، وظللنا نعمل كنساء من أجل استرداد الديموقراطية دون أن نتعرض لأي صعوبات، والمرأة السودانية لم تتعرض لأي صعوبات من قبل الاستقلال ومن بعده، وأول موكب يخرج للشارع السوداني بعد انقلاب 17 نوفمبر كان موكباً نسائياً بعد أقل من عام على قيام انقلاب نوفمبر”.
وتسرد محاسن الواقعة: “خرج الموكب من دار الاتحاد النسائي بأم درمان، حيث كانت داره تقرب من المحكمة الشرعية، وتواجه حوش الخليفة، وقد خرج الموكب السياسي بعد مقتل الزعيم الإفريقي باتريس لوممبا، وقد حمل الموكب مذكرة قدمها لوزارة الخارجية احتجاجاً على مرور الطائرة التي حملت السلاح لأعداء الزعيم لوممبا عبر الأجواء السودانية تضامناً مع حركة التحرر، وكنا نلبس السواد، ونحمل صورة الزعيم لوممبا، ونحمل الشعارات التي تندد بمرور الطائرة التي حملت السلاح لأعداء لوممبا.
وقد سار هذا الموقف والبوليس يتابعه حتى وصل وزارة الخارجية بالخرطوم وعاد بنفس الطريقة للدار النسائية بأم درمان، وهذا يدلل على أنه كان هناك احترام وتقدير للمرأة السودانية إذ لم يُعتدَ عليها خلال هذا الموكب. وتلا هذا الموكب موكب آخر خرج من دار الاتحاد النسائي وحتى السفارة الفرنسية بالخرطوم، قدمنا فيه مذكرة للمطالبة بإطلاق سراح المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد”.
وتذكر من رائدات الحركة النسائية “فاطمة أحمد إبراهيم، وحاجة كاشف، ونفيسة المليك، وعزيزة مكي، ومحاسن جيلي، وأم سلمى شعرون، ونفيسة الأمين، وسعاد عبد الرحمن، وفاطمة طالب، وخالدة زاهر وغيرهن”.
وتقارن بين التعامل مع المرأة ماضياً وحاضراً، فقالت: “المهم هنا تأكد أن الحكم العسكري خشم بيوت، حيث أن المرأة السودانية الآن تعتقل وتضرب في لمظاهرات، فالمرأة السودانية لم تتعرض لأي إذلال أو مهانة خلال حكم الفريق عبود. ولذلك العمل من أجل ثورة أكتوبر كان عملاً منظماً بين كل القوى السياسية، والمرأة كانت جزءاً من ذلك، وأذكر جيداً أنه عندما تكونت جبهة الهيئة وتقديراً لنضال نساء السودان تم تمثيلها في جبهة الهيئة، حيث مثل الاتحاد النسائي الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم ودكتورة خالدة زاهر، حيث أن جبهة الهيئات نظمت وقادت العمل من أجل ثورة أكتوبر”.
وتمضي في شهادتها قائلة: “لا شك أن المنظمات النسوية والطلبية والشبابية من المنظمات التي أدت دوراً مهماً في تاريخ السودان قبل الاستقلال وبعده؛ بوصفها أداة للمشاركة لهذه الفئات الإستراتيجية في العمل السياسي والتنموي، خاصة في مجالات محو الأمية، ورفع الوعي الثقافي والسياسي لهذه الفئات، وللسكان في الأقاليم المختلفة. وبرغم مما للطلاب والشباب من قوة دفع اجتماعية عظيمة وطاقة هائلة جعلتهم يؤدون دوراً عظيماً في منظمات خطيره في تاريخ السودان مثلاً في ثورة أكتوبر 1964م، وانتفاضة إبريل 1985م”.