من الأمور ما لا تجدى فيه المجاملة.. والتعليم على رأسها! وإذا كانت بعض الأحوال في التعليم لا تسير (على الجادة) فواجب المعلمين وأهل التعليم والتربوين ألا يصمتوا ويضعوا أيديهم على خدودهم!
و(السكات) عما يجري في التعليم الأولي والابتدائي والثانوي والجامعي والعالي إذا إعتوره الخلل أو حتى بعض الخلل، فلا بد أن تصدح العصافير وتقرع الأجراس.. ونحن لسنا بدعاً من العالم فحتى الدول التي بلغت شأواً بعيداً في التعليم ومناهجه ومؤسساته تُطلق أبواق الإنذار بين حين وآخر، وتُلحِف بالشكوى من تأخر نُظمها التعليمية، وتعقد الورش واللقاءات، وتفرد اللجان والمؤتمرات لتقويم ما تراه مِعوجّاً في نظامها التعليمي، خشية من أن تسبقها الدول الأخرى في مراقي التنمية والتقنية والرفاه. ومنها من كتب عنواناً لتقريره (أمة في خطر).. ومن بين هذه الدول التي قرعت أجراس التنبيه: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا واليابان.. فتأمل!! ثم أنظر إلى مدارس ومعاهد هذه الدول وفصولها ومقاعدها ومكتباتها وقاعاتها ومعاملها، وأنظر إلى أحوال المعلمين فيها ورواتبهم ومخصصاتهم ووضعهم الإجتماعي، وأنظر الي البيئة التعليمية ومعاهد التدريب وقل لي هل يمكن أن يكون التعليم عندنا (على ما يرام) وعال العال وفي وضع يستحق كل هذه الطمأنينة و(كل هذه الزغاريد)!
التعليم عندنا بصريح العبارة لم يستطع أن ينجو من حالة التدهور العامة، ونحن بطبيعة الحال لا نريد أن نفسد على بناتنا وأولادنا وأهلهم فرحتهم الحالية بمن نجح منهم، بل إن الناجحين يحتاجون منّا إلى (رفع القبعات والطواقي) لدأبهم وإجتهادهم في هذه الظروف غير المواتية.. بل وحتى الراسبين منهم (لا تثريب عليهم) فهم ضحايا أوضاع التعليم والمناخ العام… ولكن لا بد من وقفة تتعدى ذلك إلى النظر في النتيجة الحالية للشهادة السودانية ..فلا ينكر أحد أننا خرجنا منذ حين من (الإضطراب الكبير) الذي رافق تسريب أوراق الإمتحانات ،وهي قضية لا يُستهان بها، ولكننا قابلناها بعقلية سياسية تبريرية مفادها أن تسرُّب الإمتحانات (مسالة عادية) ولا داعي للضجة، وعلاجها في إعادة الإمتحان (بعد بكرة)!
وقبلها رأينا وسمعنا ذلك السؤال الغريب في مادة التربية الإسلامية ؛ الخارج عن كل علم وتربية وأدب.. وتحيّر الناس كيف مرّ هذا السؤال على واضع الإمتحان، ومن معه، وعلى لجنة المراجعة، ومكتب الإمتحانات، وكبير المشرفين، وصاحب العين الأخيرة، وعلى الطابعين والمدققين، وكيف حصل على إشارة المرور من غير إستنكاف حتى وصل إلى قاعات الإمتحان وأيدي الطلاب! وهذا حالة مجرد العودة للحديث عنها يجعل جبين الأربعين مليون مواطن يندي خجلاً!
طبعاً كل ذلك عدا (البروفيسورية) والشهادات الأكاديمية العليا التي أصبحت أرخص من شهادت التكريم (الكرتونية) وجعلت بلادنا مضغة في الافواه! والأمر إذن ليس أمر تعاتب وتلاوم، وإنما هي قضية جادة ينبغي الا يسكت عن دراستها خبراء التربية والتعليم داخل المؤسسات الرسمية وخارجها ومن هم في الاستيداع، ويجب أن يتم العكوف عليها بجدية.. فهذا واجب لا يدانيه واجب، ومهمة هي مستقبل السودان وأهله… والعفو والعافية!