الخرطوم – التحرير:
تعج الساحة بكثير من المتغيرات على الصعيدين السياسي والاقتصادي، والأزمة الشاملة تراوح مكانها وسط عجز السلطة عن حلها، كما تتباين مواقف الأطراف السياسية من قضية المشاركة في انتخابات 2020م، أو مقاطعتها، والسير في طريق الانتفاضة الشعبية.
السكرتير السياسي للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب أكد في حواره مع (التحرير) رفض حزبه الإملاءات، وفرض الشروط من أجل توسيع القاعدة الاجتماعية للنظام، وترسيخ مصالح الرأسمالية في البلاد، وجدد تمسك الحزب الشيوعي بالحل الجذري، وتصفية النظام وتفكيكه، وإسقاطه عن طريق الانتفاضة الشعبية عبر أوسع جبهة جماهيرية للمعارضة، فإلى مضابط الحوار.
*المشهد السياسي على صعيد المعارضة يحمل عدة تقاطعات متعارضة بين قوى تطرح الحوار مع النظام باشتراطات محددة، أو وفق خارطة الطريق الإفريقية، مثل: نداء السودان، وقوى أخرى تنادي بإسقاط النظام كالإجماع الوطني، وعلى رأسها الحزب الشيوعي، ما وراء هذا التباين في المواقف؟ وأين تقف هذه التقاطعات مما يسمى بالهبوط الناعم؟ وما الغرض منه؟
– مشروع الهبوط الناعم مشروع أميركي طرحه المبعوث الأميركي للسودان وجنوب السودان المستر ليمان، وهو يرمي إلى توسيع المشاركة في الحكم بإشراك بعض قوى المعارضة في السلطة، وتوسع القاعدة الاجتماعية في اتجاه فك الخناق السياسي، وأزمة النظام.
يتحدث في إحدى فعاليات الحزب
والرأسمالية العالمية بقيادة أميركا والاتحاد الأوربي يعملان على فرض الهبوط الناعم للإبقاء على النظام، وسياساته المتطابقة مع مصالح الرأسمالية العالمية، والحفاظ على ما تحقق حتى الآن (مشاركة القوات السودانية في الأفريكوم…وهي القوات العسكرية الأميركية بإفريقيا لحماية مصالح أميركا في المنطقة، والسماح ببناء القواعد الأميركية في السودان- المشاركة في حرب اليمن بدون أي غطاء من مؤسسات دولية أو إقليمية … إلخ)، وهذا يصب في صالح سياسة الفوضى الخلاقة لإعادة تقسيم الدول، ورسم حدودها على أساس عرقي ومذهبي.
* لكن هذه الأجندة الأميركية غير معلنة وغير معروفة للجميع؟
– هذه الأجندة غير خافية ومعلنة، ولا نكشفها نحن الشيوعيون فقط، أو تحالف قوى الإجماع، بل حتى السيد الصادق المهدي تطرق لها في خطابه بعد لقاءات نداء السودان حين قال: “إن الصهيونية ترى ضرورة تقسيم العالم العربي لدويلات على أسس طائفية وعرقية؛ بهدف تشكيل خارطة شرق أوسط جديد، وأن السودان وفق الخطة يقسم لخمس دويلات وقد بدأ فعلاً بالجنوب”، وكيسنجر بعد حرب 1973م، قال: “يجب العمل بقوة على عدم تكرار قيام الدول العربية بشن هجوم جديد مرة أخرى على دولة إسرائيل، وذلك من خلال شغل العالم العربي بحروب محلية لا نهائية، و تقسيمه رأسياً وأفقياً، وإعادة ترسيم خارطة الدول”.
وكونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأميركي السابقة قالت: “إن أميركا تتبنى سياسة الفوضى الخلاقة، وإشعال الحروب في المنطقة، وترمي إلى تقسيم دول المنطقة الى دويلات قائمة على المذهب والطائفة والعرق، وهذا ما نشهده حالياً”.
* إذن هل هي مؤامرة على السودان وشعبه؟
– في الواقع هذا المخطط يهدف إلى تغبيش الوعي الطبقي، والصراع السياسي الاجتماعي في المنطقة ما بين القوى التقدمية التي تهدف إلى توحيد الشعوب؛ لتتملك إرادتها، وتوظيف مواردها وثرواتها لمصلحتها، وتكامل مصالح الشعوب مع بعض، لا لمصلحة الشركات والاحتكارات الرأسمالية.
* هل يرفض الحزب الشيوعي الإسهام الخارجي في حل مشكلة السودان؟
– لا طبعاً، ولكننا نرفض الإملاءات، وفرض الشروط من أجل توسيع القاعدة الاجتماعية للنظام، وترسيخ مصالح الرأسمالية العالمية في بلادنا، أما تقديم المساعدة للوصول إلى حلول دون أن تكون مرتبطة بأجندة معينة فلا اعتراض عليها، بيد أن مستقبل البلاد وأفق التغيير السياسي الاجتماعي وأدوات النضال هي مهمة الشعوب، ومن ضمنها الشعب السوداني، الذي انتصر مرتين على ديكتاتوريتين عسكريتين دمويتين، وواثقون نحن من قدرة شعبنا على هزيمة هذا النظام، وتشييعه إلى مزبلة التاريخ.
ونحن في الحزب الشيوعي نتمسك بالحل الجذري، وتصفية النظام وتفكيكه، وإسقاطه عن طريق الانتفاضة الشعبية عبر أوسع جبهة للمعارضة تعمل على توحيد الإرادة، وتعزيز عملها وسط الجماهير، لرفع وعيها، وتنظيمها؛ كي تدافع عن مصالحها، وتقتلع حقوقها.
* يقول بعض المقتنعين بجدوى خوض انتخابات 2020م: “إن الحزب الشيوعي يتمترس حول فكرة إسقاط النظام بمعزل عن كيفية نهوض الجماهير، وهي تبريرهم للمشاركة في العملية الانتخابية لاستنهاض الحركة الجماهيرية”.. ما مدى صحة هذا الطرح؟
– خط إسقاط النظام لم يأت من فراغ، لكنه حصيلة تجارب كثيرة، من ضمنها انتخابات 2010م، التي قامت على دستور نيفاشا، فالنظام منذ الإجراءات الأولية للانتخابات بما فيها السجل الانتخابي انتهج التزوير؛ بهدف قطع الطريق أمام التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، ورفض أي طعون أو اعتراضات، وفي 2015م كل القوى السياسية قاطعت الانتخابات، وقادت عملية “ارحل”، وكان غرض النظام كسب الوقت، واكتساب شرعية مفقودة عبر الانتخابات.
خيار إسقاط النظام لم يأت من فراغ
وهذا النظام يهيمن على كل أجهزة الدولة، والخدمة المدنية، والأجهزة العدلية والأمنية، وهي ذات الأجهزة المناط بها تنفيذ العملية الانتخابية، كذلك يهيمن على أدوات التمويل، مثل: البنوك ومجالس إداراتها، ومفوضية الانتخابات تعينها السلطة التنفيذية، ومن ثم، فهي غير مستقلة، فكيف يتحدث بعضهم عن المشاركة في انتخابات في ظل نظام قمعي وفاسد.
المجتمع الدولي نفسه قال من قبل على لسان الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر: “إن الانتخابات في السودان لا ترقى إلى المعايير الدولية، ومع ذلك اعترف بها، والحقيقة المعروفة أن القوى الخارجية تريد استمرار النظام بأي طريقة؛ بهدف تحقيق أجندتها، ومنها: فصل الجنوب .
أي انتخابات حرة يجب أن تكون وسط جو ديمقراطي يتهيأ بعد إسقاط النظام، واستمرار هذا النظام يهدد بمخاطر جمة على ما تبقى من السودان.
وكل من يحاول أن يعطي هذا النظام أي شرعية كيما يستمر يسهم في وقوع هذه المخاطر التي تهدد بقاء السودان ووحدته.
* إذا كان الطريق للتغيير السياسي يعني فقط الانتفاضة الشعبية، فكيف تتحقق؟
– لم تفتر مقاومة الجماهير لهذا النظام منذ استيلائه على السلطة في عام 1989م، وهذا النضال يشتد ويتراكم، وعبره تم انتزاع الكثير من الحقوق، وفي كل يوم هنالك معركة مع النظام في أكثر من جبهة، وفي مجرى هذا النضال تتنوع التكتيكات، وتتصاعد وتيرة المقاومة، وتتغير موازين القوى لصالح الحركة الجماهيرية؛ وصولاً إلى العصيان المدني والإضراب السياسي، والذين يدعون إلى انتخابات 2020م هم يقعون تحت ضغوط المجتمع الدولي بقيادة أميركا؛ من أجل إنجاح الهبوط الناعم دون اكتراث للمخاطر التي ستقع على بلادنا.
ثم كيف تستقيم الدعوة إلى المشاركة في الانتخابات وترسانة القوانين القمعية باقية عندما استدعى مدير جهاز الأمن بعض الزملاء المعتقلين للتنوير حول سياسات النظام في أواخر مارس الماضي، أكد أن القوانين المقيدة للحريات لن تلغى، وهذا الوضع السائد هو الديمقراطية في نظرهم، وهو الوضع الأمثل، طالما أن الحزب الشيوعي غير محظور، وهذا خطأ، ومثل هذا الحديث يؤكد أن النظام متمسك بترسانته القمعية للبقاء في السلطة بأي وسيلة.
* لماذا هذا الهجوم المحموم على الحزب الشيوعي في هذا الوقت بالذات؟
– موقف الحزب الشيوعي واضح لا من التغيير السياسي فحسب، بل من التحولات الاقتصادية والاجتماعية، ومهام استكمال الاستقلال السياسي نحو البرنامج الوطني الديمقراطي، وهو يتعارض مع مصالح الرأسمالية العالمية في بلادنا، لهذا فالمحاولات مستمرة لإبعاد الحزب الشيوعي من الساحة لإنجاح مشروع الهبوط الناعم، ومنها اعتقال الكوادر الأساسية بعد موكب 16 يناير، والذي تحول لهبة أرعبت النظام والقوى الخارجية.
*يتساءل الرأي العام من خارج التحالفات السياسية عن البديل.. ما هو؟
– نحن في الحزب الشيوعي نرى أن الحل في إسقاط النظام؛ للحفاظ على السودان ووحدته، لذا ندعو إلى حكومة انتقالية لفترة 4 سنوات تهيئ المناخ الديمقراطي؛ لعقد مؤتمر دستوري، بمشاركة أهل السودان في حل الأزمة، وبناء مستقبل السودان، وفي أي اتجاه، وهذا البرنامج يقوم على قراءة كاملة لبداية الأزمة، وأسبابها، وطرق حلها.
والمؤتمر القومي الدستوري هو الذي يحدد مشاركة جميع أهل السودان في الحلول، ومتابعة تنفيذها، وهذا هو الذي يجعل السلام مستديماً، وكذا الديمقراطية، ويرسخ التداول السلمي للسلطة، ومفارقة الدائرة الشريرة (انقلاب- حكم ديمقراطي- انقلاب)، وهذا هو الطريق كيما يمتلك الشعب السوداني قراره وموارده، وتوظيفها لمصلحة التنمية .
* رؤيتكم بشأن الأزمة الاقتصادية الماثلة؟
– الازمة الاقتصادية ليست وليدة اليوم أو هذا العام، هي تراكم سياسات اقتصادية بدأت منذ 30 يوليو 1989م، وهي تخدم مصالح الرأسمالية الطفيلية التي ليست لها مصلحة في العمل الانتاجي والمنتجين، ومن يقولون: إن المشروع الحضاري فشل؛ لأنه لا يلبي تطلعات شعب السوداني، لكنه ناجح فيما كانوا يرمون إليه، وهو السيطرة على الاقتصاد.
منذ أن اتوا تبنوا سياسة التحرير الاقتصادي، ومنذ 1990م سنوا قانون التخلص من مرافق القطاع العام، وكونوا لجنة للتنفيذ، أضافوا إليها حصانات واسعة لا تتساءل إدارياً ولا قضائياً، وأعطوهم الحق في بيع أي مرفق ناجحاً كان أم خاسراً؛ لهذا جرى تدمير القطاع العام، وباعوه بأثمان بخسة لمنسوبيهم، وبعمولات وخلافه، وشردوا آلاف العاملين، فأدى ذلك إلى انهيار الاقتصاد.
الرأسمالية الطفيلية كل همها الثراء السريع، وحياة الترف والبذخ؛ لهذا حولوا كل الفائض الاقتصادي إلى مصلحتهم، ولم يدخل دورة الإنتاج مرة أخرى، واستخدم في حماية النظام لقمع الجماهير؛ لهذا عندما ذهبت عائدات البترول بعد 2011م لم يجدوا أي مصادر أخرى للنقد الأجنبي؛ فوضعوا برنامجاً ثلاثياً إسعافياً طرحوا فيه التقشف، وإحلال 4 واردات، وزيادة إنتاج 4 سلع أخرى؛ لتطوير الصادر، فماذا كانت النتيجة؟ بالنسبة إلى التقشف لم يحدث، بل حدث العكس رفعوا عدد الولايات والوزارات والمناصب الدستورية التي وصل عددها إلى 2100 حالياً، أما بالنسبة إلى إحلال الواردات: السكر وزيت الطعام والدواء لا توجد نتيجة، بل ظللنا نستورد، ففي 2012م بالنسبة إلى السكر تم استيراد 2 مليون طن سكر، وهي معفية من الجمارك والرسوم، فأضروا بصناعة السكر المحلية، ونتج من ذلك عدم تسويق السكر المحلي، الأمر الذي اضطر المصانع إلى البيع بأقل من السعر المعلن (الكسر)، كذلك نستورد زيوت الطعام والدواء، ومن ثم، فشل البرنامج الثلاثي والبرامج اللاحقة.
أضف إلى ذلك الإنفاق الكبير على الأمن وإهمال الخدمات والتنمية، واستشراء الفساد، والأزمة الاقتصادية نتاج كل هذه السياسات، فالريف أفرغ من سكانه الذين هربوا إلى المدن فتحول منتجو الريف إلى عطالة، الآن بالعاصمة 10 ملايين شخص، وتوسعت العاصمة، وأدى هذا إلى الضغط على الخدمات كافة، والأزمة ليست اقتصادية فحسب، بل هي سياسية اقتصادية اجتماعية، ولا فكاك منها في ظل الوضع الراهن، إلا بإسقاط سلطة الرأسمالية الطفيلية التي تسببت في هذه الأزمة.