حمل بريدي على الواتساب في يوم مشمس بأرض ديكنز وجين أوستن صورة نوعية ومدهشة لشاهد على حديقة مؤنقة ذات معمار سحري وبياض لون ساحر وعجيب بمدينة أصيلة المغربية يحمل اسماً عالي القيمة في ميزان العالم الحضاري هو اسم العبد الفقير لرحمة مولاه الطيب صالح الذي عبر مؤلفاته دخل اسمه واسم وطنه السودان القديم ثقافات وألسناً كثيرة، وتم تدبيج مختلف الأطروحات العلمية، وكتابة كثير من الدراسات والبحوث والمؤلفات حول ما جادت به عبقريته الأدبية من دفق جمالي وخيالي.
تكريم الطيب صالح في أصيلة
مدينة أصيلة المغربية التي خلدت اسم الطيب صالح عبر هذه الحديقة المؤنقة تعرفت إلى عالمها عبر ما خطه الطيب صالح عنها، ومهرجانها الشهير، الذي دأب على حضوره وكتابة الكثير عن فعالياته، ضمن مقالاته الشهيرة بمجلة “المجلة” تحت عنوان “آخر ورقة”، وقد ظهرت في أسفار كثيرة عن مركز عبدالكريم ميرغني بأمدرمان، الذى نشر كثيراً من الجمال السوداني في فترة وجيزة مقارنة بعمر هذا المركز النوعي، مع التنبيه أن أسرة مؤسس هذا المركز قد تمت مصادرة وتأميم أموالها في بداية حكم جعفر نميري في نسخته الأولى، فضربت هذه الأسرة في أرض الله الواسعة تقتات من رزقه، وطاب لها المقام بأرض القديس جورج عليه السلام، وحققت نجاحاً كبيراً في دنيا المال والأعمال، من ثماره اليانعة تأسيس مركز عبدالكريم ميرغني بأمدرمان.
لاحظت في اللافتة التي تحمل اسم الطيب صالح على مدخل الحديقة كتابة اسم مسقط رأسه هكذا “كرم كول”، رغم أن طريقة كتابتها ونطقها عند أهل السودان القديم هو “كرمكول”، علماً أن المفردة ليست عربية شأن معظم أسماء البلدان بتلك المنطقة، التي تسودها قبائل الشايقية والبديرية والركابية، ولا تبعد عن السافل النوبي عبر تماس مباشر مع الدناقلة (انظر دراسة مطولة حول المعربات السودانية للدكتور السوداني جعفر ميرغني بالعددين الثاني والثالث لمجلة “حروف” عن دار جامعة الخرطوم للنشر).
كذلك لاحظت في اللافتة أن الطيب صالح قد تم تشييعه إلى مثواه الأخير بمدينة أم درمان، وهذا تعبير شائع رغم خطله، خصوصاً أن القبر ليس هو المثوى الأخير، بل هو معبر تجاه البعث والنشور وقيل النشوز، ثم الحساب، ثم الخلود بالجنة أو الجحيم (حسب نظرية الأديان السماوية) .
حديقة الطيب صالح بمدينة أصيلة ليست هي أول حديقة بهذه المدينة السحرية تحمل اسم كاتب، حيث علمت قديماً عبر تأمل كتابات الطيب صالح عن فضاء هذه المدينة وجود عدة حدائق بها تحمل أسماء شعراء عرب وأفارقة شاركوا قبل تحديقهم في الموت في مهرجانها، منهم شاعر من الكونغو لم أكن أعلم بوجوده قبل اطلاعي على اسمه في مقال للطيب صالح.
لا أدري هل توجد حديقة في أي مدينة سودانية تحمل اسم الطيب صالح، لكن هناك شارعاً بالخرطوم يحمل اسمه، هو شارع أوماك سابقاً، لكنى رأيت لافتة تحمل اسم إشراقة التجاني في إشارة للصوفي المعذب التجاني يوسف بشير بالخرطوم القديمة، وقد كتبت عنها إشارة سحرية مقتضبة خريف 1998م، جرى نشرها بمجلة المجلة اللندنية، ثم أعاد نشرها بعد سنوات بصحيفة الخرطوم الناقد أحمد الطيب عبدالمكرم له الرحمة والمغفرة والشفاعة والسقيا والسير تحت لواء الحمد.
في هذا الاحتفاء بالطيب صالح بمغرب الشمس، هل ترى يوماً نشهد فيه بالسودان الجديد حدائق تحمل أسماء من لدن: إدريس جماع، ومحمد عوض الكريم القرشى وتوفيق صالح جبريل الذي عبر (حديقة العشاق) تلك التي خلدها بكسلا القديمة حملنا صوت كابلي الراقي إلى أعماق سحيقة من الوجد والجمال والمتعة والسحري خاصة حين رشفنا من ذاك الصبح من يد بهجة الروح.
سلاما على الطيب صالح في ذاك الجدث بمقابر البكري مثوى ود الريح، وإبراهيم عوض، وفاطنة أحمد إبراهيم، والتاج مصطفى، وسيف الدين دسوقي، وكفى.
أحمد الأمين أحمد