عنصر المفاجأة الذي أدخله آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد في المشهد السياسي في إثيوبيا أولاً، وفي القرن الإفريقي وشرق إفريقيا ثانياً، لا يزال مثار دهشة وإعجاب المراقبين كافة داخل القارة الإفريقية وخارجها.
الدهشة سببها أن الجبهة الشعبية الثورية التي ظلت تحكم إثيوبيا منفردة منذ إطاحتها بنظام منقستو في مايو عام 1991، هي التي قررت تبني سياسة إحداث هذا التغيير الذي يعتمد على تحقيق مصالحة داخلية وخارجية، وانتخبت من بين صفوفها قائداً قادراً على إنجاز هذه المهمة.
الجبهة الثورية خلال عقود حكمها الثلاثة الماضية اعتمدت على احتكار السلطة، وقمع المعارضين، والتنكّر لحقوق الإنسان، ولمفهوم المشاركة في السلطة، معتمدة على أن (التنمية يمكن أن تكون بديلاً للحرية)، بمعنى أن الطفرة التنموية التي هندسها زعيم الجبهة الراحل ملس زيناوي يمكن أن تكسب تأييد الشعب وتُصرفه عن دعاوي الحرية،
ورغم أن هذه السياسة تمت مواجهتها بمعارضة قوية في الداخل، إلا أن دوائر إقليمية وعالمية ظلت تشيد بها دون اكتراث لمقاومة الشعب الإثيوبي، وظلت تعليقات الخارج تركز على الطفرة التنموية وأرقام النمو الاقتصادي، دون التفات لسوء توزيع عائدات ذلك النمو، وانعدام عدالة التوزيع،
وانعدمت القسمة العادلة للثروة، مثلما انعدمت القسمة العادلة للسلطة، وبرزت نتيجة لذلك تحديات اجتماعية واقتصادية لم يعبأ بها الخارج، لكن المعارضة الداخلية كشفتها وسلّطت الأضواء عليها، بل وتعرضت صحافة الحكومة لبعض منها،
وكانت أهم تلك المشاكل هي:
النقص في أرصدة العملات الأجنبية، واتساع دائرة الفقر، وزيادة حدة الفوارق الطبقية، وانتشار البطالة وسط الشباب، وخاصة الخريجين، وتصاعد التوترات العرقية والقبلية، والرفض للهيمنة الكاملة للجبهة الحاكمة على مفاصل السلطة والثروة، وخلو البرلمان من أي صوت معارض، وامتلاء السجون بآلاف السجناء والمعتقلين السياسيين، وانتهاك حقوق الإنسان بصورة واسعة وممنهجة.
ولما تصاعدت مظاهرات الحركات الاحتجاجية إلى ذروتها عام ،2016 أعلنت الحكومة حالة الطوارئ، واعتقلت المزيد من النشطاء، ومارست أعمالاً قمعية واسعة، ولم تنجح كل تلك الإجراءات في تخفيف حدة التوتر، بل أخذ ذلك التوتر يؤثر على الاستثمار، وعلى مشاريع التنمية،
وعندها تنبّهت الجبهة الحاكمة وخشيت أن يقود الأمر، خاصة إذا توقفت التنمية، إلى رد فعل قد يطيح بها، فرأت أن تعالج هذا الواقع بأن تتبنى هي بنفسها سياسة التغيير، ومهّد لهذا التغيير رئيس الوزراء السابق الذي استقال ليفسح المجال لمن يحل محله، لينفذ سياسة التغيير، وقد أوضح ذلك عند تقديم استقالته،
ومن ثم تبنت قيادة الجبهة سياسة (التغيير)، واختار آبي أحمد لتنفيذها من موقعه كرئيس للوزراء، فجاء الرجل وهو يحمل فيما يبدو برنامجه للتنفيذ الفوري، إذ رأينا قراراته المهمة والكبيرة تترى وتتلاحق، والآخرون يلهثون وراءها،
وربما كان هذا هو السبب الذي حدا ببعض المعلقين لأن يشبهونه بجورباتشوف، الرجل الذي أتى من قلب السلطة السوفييتية ليشرف على تصفية النظام الشيوعي، بينما آثر آخرون أن يشبّهوه بنيلسون مانديلا، ومهما يكن من أمر، فالرجل الذي أثار مجيئه الدهشة حظي بعد قليل بكثير من إعجابهم، لأنه أثبت جديته وقدرته على اتخاذ القرارات الصعبة، وعلى مواجهة التحديات دون تردد، مع إصراره على إنفاذ برنامجه الخاص للتغيير في الداخل والخارج،
وعندما انفجرت أمامه عبوة ناسفة في أول محاولة لنسف برنامج التغيير لم يتراجع ولم يتقاعس، بل سار قدماً مؤكداً أنه لا بديل للتغيير، وأن برنامجه الإصلاحي سيتواصل.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو:
ما أبعاد التغيير المنتظر؟
وكيف سيؤثر على مجرى الأحداث في المنطقة؟
وما هي التحديات التي سيواجهها؟.
الأسبوع المقبل نواصل.