كثير من المتابعين والمراقبين يرون أن حملات ملاحقة بعض المفسدين من أثرياء نظام الإنقاذ الذين وظفوا مناصبهم وسلطاتهم لنهب المال العام وموارد البلاد هي مجرد حملات انتقائية، تأتي في ظل الصراع المتصاعد حالياً بين أجنحة الحزب الحاكم.
والحقيقة أن هذا الاعتقاد يقترب عند بعضهم من اليقين الكامل، لا سيما أن التباين بدا واضحاً بين قادة الحزب الحاكم النافذين وأتباعهم بشأن إعادة ترشيح البشير لولاية جديدة، خلال انتخاباتهم المقبلة، وهو الترشح الذي تعثر رسميًا حتى الآن داخل أروقة الحزب الحاكم؛ بسبب المعارضة القوية للجناح الرافض لهذا الترشيح من لجان الحزب المختلفة، والذي يقوده نافع على نافع وأمين حسن عمر وآخرون؛ بدافع صراع المصالح الخفي الناشب بينهم.
أما الجناح الآخر الذي يدعم ترشح البشير يتصدره على عثمان محمد طه الذي يحاول أن يعود إلى الأضواء مجدداً هو وشيعته؛ لاستعادة سلطته التي فقدها، وذلك من خلال تلبية رغبات الرئيس وطموحاته في الاستمرار في السلطة، والعمل على إرضائه، ومواجهة خصومه داخل الحزب بدعم أنصاره ممن يسعون إلى حماية ثرواتهم التي جنوها من المال العام، تحت ظل الحصانة التي يوفرها لهم النظام، فضلاً عن حماية ظل الرئيس لهم دون أن يتعرضوا لأي مساءلة مكافأةً لهم على مساندة الرئيس.
في ظل هذه الأجواء يأتي دور الملاحقات الأمنية لبعض المفسدين من أركان النظام كنوع من العقاب المباشر للمعترضين على ترشح البشير بطريق مباشر أو غير مباشر، على الطريقة ذاتها التي عوقب بها قادة المؤتمر الشعبي سابقاً بعد المفاصلة الشهيرة، بتجريدهم من بعض الأموال العامة التي جنوها تحت شعار التمكين، وبالطبع، فإن أقصى عقوبة موجعة يمكن أن يعاقب بها النظام أتباعه الذين يشقون عليه عصا الطاعة فهي تجريدهم من أموالهم التي نهبوها من موارد الدولة، وإعادتهم إلى دائرة الفقر الذي أتوا منه، وهم لا شك يعرفون بعضهم بمدى حبهم للمال.
لذا لا يعول البعض على مثل هذه الحملات والمساومات لأن ما يمكن أن يفسد مثل هذه الحملات التي تستهدف بعض المفسدين والنهابين أن تأتي في هذا السياق العقابي الداخلي لأنصار النظام، وبعض الضحايا؛ بغرض التمويه لمجرد تأديب بعضهم، وغض الطرف عن الآخرين، بمن فيهم بطانة الرئيس وخاصته ممن تحوم حولهم شبهات وبينات الثراء الحرام، واستغلال موارد البلاد ومالها العام، على نحو ما تروي مجالس المدينة من أقاصيص، وما تكشف التسريبات من وثائق.
غير أن البعض يرى أن ما يجري حالياً من صراع داخل النظام وبين مراكزه المتعددة لا تعني الشعب السوداني في شيء؛ لأن الدافع ليس محاربة الفساد والمفسدين دون تمييز، بل يأتي بطريقة انتقائية، ولأسباب تتعلق ببنية النظام نفسه، وطبيعة الصراعات داخله؛ بدليل أنه يتغاضى عن البعض ممن يقدمون فروض الطاعة والولاء، ولا يقترب من ثرواتهم غير المشروعة.
ورغم تفاقم الصراع وتعدده بين تيارات الإسلاميين ومجموعاتهم إلا ان جناح الرئيس ومن خلال آلياته الأمنية يتجه إلى حسم صراع الثروة إلى صالحه، بعد أن حسم لصالحه صراع الحكم؛ بإقصاء بعض النافذين الناقمين عليه.
إلا ان انتقال الصراع إلى صفوف مجموعات الإنقاذ بسبب السلطة والثروة لا ينفي حقيقة ان الصراع الحقيقي هو الذي يقوم ويتصاعد حالياً، في ظل الأزمات المتصاعدة؛ بسبب فشل النظام الذريع في إدارة الدولة، رغم هيمنته عليها ثلاثة عقود؛ وهو الصراع بين النظام بكل مكوناته الفاسدة والشعب السودان بكل فصائله وقواه الحية في الداخل والخارج، والذي سيفرض شروطه يوماً على واقع البلاد رغم استيئاس البعض، وانسداد الأفق سواء بجهل النظام وصلفه، أو بضعف المعارضة، وقلة حيلتها في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.