أسئلة كثيرة خلفتها الأمطار و السيول التي اجتاحت اليومين الماضيين حاضرة دار حمر النهود، وإنهارت وتضررت جرائها آلاف المنازل والأسر بمختلف الأحياء، ودكت مؤسسات ومراكز عامة ومحلات تجارية، ما دعا الوالي الفيا إلى نقل أركان حكومته ليعسكر بالمدينة، حتى انجلاء المأساة، حسبما صرح بذلك في موقف يحسب له .
الأسئلة التي تتبادر إلى الأذهان، للأسف الشديد تبدو متناسلة ونزيفها رعاف.؟!. من المتسبب في الكارثة وفجيعة النهود؟! هل هي متاهات الاستهتار والاستهانة بالمواطن المغلوب على أمره، بسد المجاري ومصارف المياه في عمليات تشييد الطرق الداخلية للمدينة، التي يبدو أنه مع التقاعس في إكمالها، غابت عنها المواصفات والمتابعة اللصيقة التي تحدد معابر مياه الخريف، بسهولة ويسر.
تُركت هكذا ليكون الناتج دكاً ونسفاً للعمران، وتشريداً للإنسان؟ الأسئلة المتلاحقة والمتناسلة تستدعي إجاباتها الحسم والمساءلة والمحاسبة والعقاب، لكل من له ضلع في المأساة، التي رزئت بها أحياء وإنسان وحيوان المدينة العريقة.
المأساة ستتفاقم حينما يطفق الباعوض والذباب وكل حشرات الخريف بأرتالها تطارد الملهوفين المغلوبين على أمرهم، علها تظفر ببقايا دم تركه سهد الليالي ونزف الوجيع.؟
الأسئلة تتلاحق وتتداعى تداعي الأكلة على قصعتها. لماذا؟ ولماذا؟ ولماذا كل هذه الغفلة؟ وقد أنذر خريف العام الماضي أن القادم أسوأ، إذا ظل الحال على ما هو عليه؟
وبالفعل الأسوأ هو الوضع المأساوي الماثل الآن. لا جدال في أن ردميات الطرق التي لم تراع خارطة المدينة الكنتورية هي المتسبب الأول في الفاجعة؟ ذلك أن النهود على مر الحقب لم تحاصرها مياه الأمطار التي كانت تعبرها الى الوديان والسهول، وما يتبقى تمتصه رمالها، التي غالبتها السيول والأمطار الأخيرة، في غياب المصارف ما أجبرها على الاستسلام والانزواء رغم أنفها، لتزمجر السيول والأمطار، وتهدر وتحاصر الأحياء، التي أحكمت الردميات الطوق عليها تماماً؛ لتخلف هذه المأساة الكارثية التي يفوق حجمها مقدرات الولاية التي تشكو هي الأخرى حالها لطوب الأرض؟!
النهود الآن منطقة كوارث هذا هو الوصف الدقيق الواقعي لها. معروف ومشهود أن العالم ينهض خيروه عند الإعلان عن أي مناطق كوارث سواء بفعل الحروب، أو لأسباب طبيعية.
إعلان النهود منطقة كوارث فيه تدارك للموقف وتداعياته بلا مغالطات أو لف ودوران. ما لم يتم الإعلان ستتقاصر وستتقازم كل المعينات التي هي أشبه بدم الحجامة في بلد تخنقها الأزمات، وتأخذ بتلابيبها مع انسداد آفاق العبور الى الحد الأدنى من المطلوبات.
في ظل وضع هكذا، يتضاءل العشم والرجاء لسماع صوت الاستغاثات، خاصة إذا كان المستغيث يبعد عن مرمى حجر المركز المرزوء بكل أشكال وأوصاف العجوزات في توفير رغيف الخبز والدواء وغيرها من الضروريات لمواطنيه، ناهيك عن مد يد العون لمن بعد عنه وفاقد الشيء لا يعطيه.
إذن إعلان النهود منطقة كوارث، أمر يفرضه حجم المأساة وحالة العجز المقابلة لها. ما وصل المدينة من إغاثات وفزعات لا يعدو كونه قطرة في محيط وجيعها الطافح الهادر بلا كابح، والخريف في بداياته.
إزاء هذا الوضع القاسي المؤلم تداعي أهل وأبناء الدار واطئوا جمر مأساتها وغيرهم من الحادبين، في الداخل والخارج لنجدتها، ولكنها(كحة) مغلوب على همه وفجيعته، ونرجو ألا تتحول الكحة هذه الى التهاب رئوي يتربص المنكوبين.
حتى لا تتكرر المأساة وتتجدد مع كل خريف، تفتقت عبقريات أبناء الدار عن مبادرات وخارطة طريق لحلول جذرية من شأنها صون المدينة وسلامتها من مخاطر السيول والأمطار.
السفير حسن جاد كريم ظل دوماً متوشحاً قوسه ودرعه تجاه نداءات الدار وهمومها. جادت قريحته بخارطة طريق هي عصارة كفاءة وخبرات تراكمية، سيما وهو السفير المفاوض الحاذق في لي عنق المعضلات، وإيجاد وابتكار الحلول والمعالجات الجذرية لها، وتأتي خارطة طريقه ناطقة بكل ما هو ناجع لجهة سد ثغرات الخلل، وتثبيت الحلول واستدامتها فيما يخص وضع مدينة النهود، هذا بالطبع إذا وجدت خارطته، حظها من النفاذ الذي لا بد له من وسادة يتكئ عليها داخلياً أو إقليمياً أو عالمياً.
ويبقى إعلان النهود منطقة كوارث هو صلب المعالجات التي لن تقتصر على المأكل والمشرب والملبس، بل يتطلب الأمر استدامة الحل من توفير المأوى، وإعادة تخطيط وبناء المرافق وغيرها وتعبيد الطرق، وبالجملة انتشال النهود من تحت الركام وبراثن النسيان والضياع، وإلا ستظل هذه المدينة تئن تحت حطامها تلعن استبداد رمالها الذي فضحته السيول.