ما أن تناولت وسائل الإعلام المختلفة داخل وخارج السودان تصريحات الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي، وإمام الأنصار بشأن تأجيل محكمة الجنايات الدولية محاكمة الرئيس السوداني عمر البشير المطلوب للعدالة الدولية وشركاء معه في ذات الجرائم إلا وقامت الدنيا ولم تقعد، وهاج وماج كل من يستطيع أن يكتب سطرين على وسائل التواصل الاجتماعي وتمشدق بأنه سياسي أو مفكر في صورة تؤكد فعلاً أن هناك مشكلة في التركيبة السياسية التي سيكون وللأسف الشديد أولئك جزء من معادلتها المستقبلية، متهمين المهدي بأوصاف لا علاقة لها بالأدب السياسي، وعدوه حارساً للمؤتمر الوطني من البوابة الخارجية، ولديه مصلحة في استمراره في السلطة، وغير ذلك من الاتهامات.
وخرج كل فصيل من نداء السودان ببيان يتبرأ فيه من تلك التصريحات، والذين بينهم وبينه عداوة من الذين انشقوا من حزب الأمة القومي في وقت سابق بسبب انتهازيتهم، وهم شركاء في الحكومة، ويأكلون من أموال الشعب السوداني في الوقت الذي سحقه فيه الفقر، وسيماهم في بطونهم التي تمددت أمامهم، حيث نصبوا مناحات من باب (الكوم زيدوا ردوم)، وهم يهبون مع كل ريح، ويسعون مع كل قوم، فقط ان يتساووا معهم في العداء لحزب الأمة القومي أو الصادق المهدي.
وأما بالنسبة إلى عضوية المؤتمر الوطني أرادت ان تؤكد للبعض أن علاقاتها مع المهدي ممتازه زوراً، وأن هناك تفاهمات سرية بينها وبينه ومبارك لكل سياساتها، في أعظم بهتان ولكنهم ما أرادوا الا الضلال، ونسوا أنهم الى قت قريب يلاحقونه ويضايقونه أينما حل، بل ويستخدمون تحالفاتهم لذلك، وما حدث بمصر ليس عنا ببعيد؛ لذلك، فإن التودد والتظاهر بدموع التماسيح للاصطياد بمثل هذه السذاجة ليس ممكناً، ولا يصدقه أحد مهما اجتهد الكيزان وإعلامهم الضال.
فموقف المهدي من محكمة الجنايات الدولية هو موقف حزب الأمة القومي الذى ليس مطالباً بأن يؤكده لأحد ولا يوجد وصي عليه ليستنطقه في شيء، ويعلم ذلك القاصي والداني، وما قاله المهدي ظل يردده إلى جانب مؤسسات حزبه في جميع المنابر التي تحدثوا ويتحدثون من خلالها أمام الملأ، الذين يعرفون ذلك، وارجعوا إلى خطابات الإمام في منتدى السياسة والصحافة الذى خصص منبراً كاملاً لذلك الموضوع، وخطاباته إمام الجلسات الافتتاحية لكل مؤتمرات الأحزاب السياسية التي دعي إليها من قبل ووسائل الإعلام المختلفة الداخلية والخارجية وغيرها من المنابر، لذلك فان موقف حزب الامة القومي ذات هو ما احترمته القوى السياسية سابقاً وقامت عليه ولم تقعد حالياً.
إننا نعلم والجميع أن (نداء السودان) هو تحالف لمكونات سياسية مختلفة في المدارس الفكرية والسياسية وتباين الآراء، ولا يمكن أن تتطابق أبداً في كل شيء، لكن التوافق على نقاط التقاء في الحد الأدنى من مصلحة الوطن هو ما جمع بينها؛ لذلك فإن ما تتفق عليه تتبناه برنامجاً مشتركاً، وما تختلف عليه يرده كل فصيل لمؤسساته دون أن يفرض على بقية الفصائل الأخرى، ولا علاقة لها به، ويحترمه الجميع كأحد المساهمات السياسية من تلك المؤسسة التي تصب في خانة الاجتهاد من أجل حل القضايا الوطنية، وبذات الكيفية كون أن حزب الأمة يقول رأيه في أمر ما فهذا لا يعني أنه مقيد من نداء السودان حتى لا يقول رأيه بصورة مؤسسية، وأن نداء السودان غير ملزمة بذلك، ولا يفرض عليها، وكون أنها تحترمه أو لا، فهذا من باب ادب الاختلاف، ثم إن ذلك لا يضير بقاء حزب الامة القومي في نداء السودان في شيء؛ لان الديمقراطية تتطلب توافر الاحترام بين تلك المكونات، وعلى الجميع أن يتذكر أن المحافظة على وحدة التحالفات هو ما يتطلبه الحال والمستقبل، وأن التعصب لرؤية واتهام صاحبها أو الحزب الذى صدرت منه باتهامات غير مقبولة يؤكد فعلاً ضحالة التفكير السياسي، والتعصب على أن نتائج المستقبل السياسية للدولة السودانية غير مبشرة، إن من هو غير راشد وناضج سياسياً سيكون كارثة على البلد إذا تولى أمر قيادتها .
كون ان بعض القوى السياسية المكونة لنداء السودان تفشل في هذا التمرين الديمقراطي لاحترام الآراء وحريتها، فإن ذلك لا يبشر بخير.
عندما طالب المهدي وحزبه بالتأجيل لمدة عام ملف الجنائية الدولية لم يكن ذلك شطحة أو من نسج الخيال وإنما يأتي ذلك حسب ميثاق روما الذى تأسست بموجبة محكمة الجنايات الدولة، وهو حق قانوني، ولكن ذلك يتم وفقاً لشروط واستيفاءات، وعينة يدركها الجميع، ولا تعني بأي حال من الأحول إسقاط العدالة أو التراجع عن إسقاط النظام او التخلي عن التزاماته حيال نداء السودان والوطن والمواطن السوداني، وإنما إعطاء فرصة لعدالة أخرى تكون تحت إشراف المحكمة نفسها بخطوات عملية تكون مقنعة لها في المقام الأول، بشرط أن يقدم طلب التأجيل الحكومة السودانية نفسها، وليس حزب أو جماعة سياسية او غيرها، ويدرس الطلب، ثم يفاد في أمره حسب الخطوات، والخطة المرفقة مع الطلب؛ لذلك فإن حزب الامة لن يقدم طلباً رسمياً للمحكمة بذلك الخصوص نيابة عن الحكومة، ولن تقبله المحكمة ما لم تقدم حكومة السودان ذلك بنفسها، لأنه لا ينوب عنها أحد فى ذلك، وأن ما قام به حزب الأمة فقط هو إضاءات ورؤية للاستفادة من حقوق قانونية واستثمارها في خانة المصلحة، ولا يعني ذلك خيانة للضحايا ودمائهم الطاهرة، وإفلات من العقاب؛ لأن أعضاء حزب الأمة وجماهيره من بين هذه الضحايا، وليس منزلين من كوكب آخر، وإنما الموقف الرسمي هو العدالة وإحقاق الحق، وهذا لا يحتاج إلى تبرير.
عندما ذكر ميثاق روما أنه يجوز لمجلس الأمن أن ينشىء محاكم خاصة وما محكمة (اروشا) بتنزانيا عنا ببعيد، وأن ذلك لا يعني تواطئاً من أجل التلاعب بالعدالة، وخيانة الضحايا، وعندما قبل نيلسون مانديلا بالمصالحة الوطنية في جنوب إفريقيا لم يكن متواطئاً مع البيض أو خائناً للسود، ولا مساوماً في العدالة أو الإفلات من العقوبة، وأن الظلم ليلته قصيرة، وعلينا أن نتعلم أن نعيش متوحدين، والا فلنمت جميعاً كالأغبياء، ولا خيار سوى الحرية والعدالة والمساواة وسيادة حكم القانون، ولا بديل للديمقراطية سوى مزيد منها.
mohammedabdellah931@gmail.com