الخرطوم – التحرير:
أكدت رئيسة مبادرة (لا لقهر النساء) القيادية بالحزب الشيوعي السوداني د. إحسان فقيري أن سياسات الإنقاذ الاقتصادية وسياسات التمكين والخصخصة وتشريد العاملين وإتباع روشتة صندوق النقد الدولي جعلت معظم المجتمع السوداني يعيش تحت خط الفقر، فضلاً عن أن سياسة زرع الصراعات قد ساهمت في وجود شريحة كبيرة من النازحات في المعسكرات.
ونوهت فقيري في حوار مع (التحرير) إلى أن معظم هؤلاء النسوة فقدن الزوج والابن والأب، وأصبحن بلا عائل فلجأت المرأة إلى ابتداع حرف كثيرة لا تحتاج إلى مؤهلات خاصة كـ(عمل الطعام، والشاي، والحياكة، والأعمال اليدوية الأخرى)، وأبدت فقيري أسفها لمطاردة النساء العاملات بتهم مختلفة، وحرمانهن من الاستقرار، بدلاً من مساعدتهن بتمليكهن مظلات تقيهن الشمس والأمطار، وعمل إجراءات صحية أخرى لهن، وقالت إن هذه الشريحة من النساء يعملن في صمت و خوف من (الكشات).
وهذه حصيلة الحوار.
إحسان فقيه في الوسط
*بداية كيف تقييمين دور المرأة في الحركة السياسية السودانية؟
– دخلت المرأة السودانية عالم السياسة مبكراً، فتلك التي قالت شعراً في أخيها وفي رجال القبيلة لكي تحفزهم للقتال هذا دخول في عالم السياسة، الحكامات أيضاً دخلن في عالم السياسة. الكنداكة أماني هي امرأة حكمت بل استعمرت بلاداً أخرى، لكن الدخول المنظم للنساء السودانيات في العصر الحديث بدأ بعد ثورة أكتوبر، وبعد أن أقر البرلمان الحقوق السياسية للنساء، وهذا بفضل الوعي الذي أفرزته الحركة النسوية بقيادة الاتحاد النسائي، ولذا تؤدي المرأة السودانية دوراً أساسياً في مناهضة القمع والمطالبة بالحقوق، ومساهمتها في ثورة اكتوبر كانت واضحة وجلية؛ مما أدى إلى استشهاد بخيتة الحفيان، وجرح القائدة النسوية محاسن عبدالعال، رحمهما الله، وما زالت المرأة تؤدي دوراً مهماً الآن في مجريات الأحدات، على الرغم من الضغوط، وهي أول من يقف ويعلن رفضها السياسات الحكومية.
*البعض يرى أن الأحزاب السياسية السودانية لم تفرد للمرأة المساحة الكافية.. ماذا تقولين بشأن تلك الفرضية؟
– هذا صحيح الأحزاب التقليدية اكتفت بوجود أمانات للنساء داخل الأحزاب، وليس هناك وجود للنساء غير المنتميات للأسر في مواقع اتخاذ القرار، وحتى في أحزاب اليسار ما زال هناك تلكؤ في حركة النساء، ويبقى علينا نحن النساء أن نكون قوة دافعة داخل أحزابنا؛ لكي يشمل برنامج الحزب قضايا المرأة؛ لأنها جزء من الصراع السياسي، وعلى الرغم من أننا نشاهد نساء في أعلى الأجهزة الحزبية، ولكن ما زالت الأحزاب في برامجها بعيدة من قضايا المرأة.
*بالنسبة إلى المرأة العاملة بالبلاد، الملاحظ أن ثمة نساء كثيرات يكابدن من أجل الحصول على لقمة العيش، ماذا تقولين بشأن تلك الشريحة التي تعاني في صمت؟
– سياسات الإنقاذ الاقتصادية وسياسات التمكين والخصخصة وتشريد العاملين واتباع روشتة صندوق النقد الدولي جعلت معظم المجتمع السوداني يعيش تحت خط الفقر، فضلاً عن أن سياسة زرع الصراعات أوجدت شريحة كبيرة من النازحات في المعسكرات، ومعظم هؤلاء النسوة فقدن الزوج والابن والأب وأصبحن بلا عائل، فلجأت المرأة إلى القطاع غير المرئي، وابتدعت حرفاً كثيرة لا تحتاج إلى مؤهلات خاصة كـ(عمل الطعام، والشاي، والخبيز، والحياكة، والأعمال اليدوية الأخرى)، ولكن للأسف تمت مطاردتهن بتهم مختلفة، وحرمانهن من الاستقرار، بدلاً من مساعدتهن بتمليكهن مظلات تقيهن الشمس والأمطار وعمل إجراءات صحية أخرى، هذه الشريحة من النساء يعملن في صمت وخوف من (الكشات)، ومن هنا نحيي ذكرى نادية صابون التي توقف قلبها عندما تمت مصادرة الأواني التي تخصها، إن أوامر المحلية وقانون النظام العام هو أداة لقمع النساء عامة، والفقيرات على وجة الخصوص.
*من خلال مبادرة (لا لقهر النساء) هل تقومون بالتواصل مع النساء العاملات، ومعرفة مشكلاتهن في ظل الظروف القاهرة التي تعيشها البلاد؟
– نعم نتواصل مع النساء العاملات خصوصاً بائعات الأطعمة والشاي، وتجلس المبادرة من حين إلى آخر معهن، ونقف معهن في مصادرة الأواني التي يمتلكنها، والآن المبادرة أصبحت قبلة لمعظم النساء ممن يعانين مشكلات متعددة، وكثيرات منهن يتصلن بالمبادرة لطرح تلك المشكلات.
*حول قضايا الاستغلال الجنسي والاضطهاد الذي تتعرض له كثيرات.. هل ثمة متابعة من قبل المبادرة لتلك الحالات؟
– مشكلة الاستغلال الجنسي وطرح مثل هذه القضايا من قبل المرأة نفسها فيه صعوبة، لأن هنالك وصمة اجتماعية تمتد لكل أفراد الأسرة، القليل الذي يصلنا نتابعه، وحسب رأي الضحايا، لأن البعض لا يريد الحديث عنه.
*كانت لك تجربة ثرة في مؤازرة بائعات الشاي حدثينا عن تلكم التجربة؟
– حول تجربتي في مؤازرة بائعات الشاي، عندما اشتد عليهن الأذى من قبل المحلية، وتناول بعض أجهزة الاعلام تناولت أحاديث تسيء اليهن وتمس شرفهن، تكونت مبادرة بـ(الكفتيرة تفك الحيرة)، وهي مبادرة شبابية اتصلوا بنا كمبادرة فكانت تجربة البيع بدلاً عنهن، وهي تجربة عرفت منها معاناتهن، فاللهيب الذي يواجهنه مؤذ جداً، ونظرات إلى المتطفلين والمتعطلين والمحاولات لجرهن لونسات جانبية مما يؤذي المشاعر، كأن وجودهن في الشارع جعلهن مستباحات وهذا محزن، كما أن كثيراً من النساء يتعرضن للسرقة بعد كل هذا التعب والعنف اللفظي المتمثل في محاولات التقرب إليهن.
فاطمة أحمد إبراهيم
*نموذج المناضلة فاطمة أحمد إبراهيم بوصفها ملهمة لجيلها والأجيال التي جاءت من بعدها .. كيف تنظرين إلى ذلك النموذج؟
– فاطمة أحمد إبراهيم هي زعيمة نسوية، وعلم من أعلام السودان، ناضلت بلا ملل، وتضحياتها كبيرة، وبالنسبة لي شخصياً فقد تدربت على يديها، وبتوجيهاتها، وظللت أعمل وسط النساء، لها كامل الاحترام وهي في مرقدها الأبدي، ونتحسس خطواتها الواثقة، ونسير على دربها، فاطمة أحمد إبراهيم نموذج نادر من النساء، وقد وهبت نفسها لقضاياهن.
*المرأة في الريف ما زالت تعاني عدم الحرية في اختيار الزوج، وهنالك نساء يجبرن على الزواج من دون رضاهن، وأحياناً يكون الزوج كبيراً في السن .. هل ثمة برامج توعوية تتخذونها في مبادرة (لا لقهر النساء) لنشر الوعي حيال ذلك الأمر؟
– حقيقة المبادرة كانت موجهة عملها في مناهضة قانون النظام العام، ولكن بعد المؤتمر الأول للمبادرة أصبح البرنامج معنياً بكل ما يقهر النساء (زواج الطفلات)، وغلاء المعيشة، وقضية انكار النسب، وقضايا الطلاق … الخ.
ولدينا مكتب قانوني للدفاع عن النساء في المحاكم، ولدينا مكتب لمعالجة الضحايا، ونقوم بعمل منتدى منتظم لطرح تلك القضايا، ومكتب إعلامي لتوصيل القضايا للرأي العام، ولكننا ما زلنا نعمل في الخرطوم فقط، وليس لدينا فروع خارج العاصمة، ولكن في خطة المبادرة كان من المفترض حسب الخطة المجازة في المكتب التنفيذي عمل فرع في دارفور بوصف أن معاناة النساء هناك، وآخر في شرق السودان بوصفه منطقة فيها كثير من العنف تجاه النساء، ولا ننسي بأن مبادرة (لا لقهر النساء) هي جماعة ضغط توجه عملها في الكشف عن الأذى، وتوضيحه عالمياً ومحلياً، ومناصرة الضحية.
*بالنسبة لزواج القاصرات برأيك ..هل تشكل خطراً على المجتمع السوداني؟
– هي ظاهرة خطيرة جداً؛ لأن الظروف الاقتصادية تجعل المرأة ضحية، وتعرضها للاستغلال حتى من قبل والدها؛ لحل المشكلة الاقتصادية بدفع مبلغ كبير، وتزف القاصر، وينتج عن هذا الزواج حرمان البنت من التعليم، ويحولها هذا الأمر إلى فاقد تربوي، ويفقدها أحلام الطفولة والصبا؛ لذا تكثر المعاناة النفسية والأمراض العضوية والنفسية، وحتى عند الولادة تزيد وفيات الأمهات نتيجة لصغر سن الفتاة، وقد تصبح الفتاة قاتلة كما حدث في قضية نورا.
*المجتمع السوداني.. هل بالإمكان أن نطلق عليه أنه مجتمع ذكوري بحت، بمعنى أن المرأة لا تجد فيه فرصتها لتصدح برأيها؟
– المجتمع السوداني تداخلت فيه ثقافتان، ثقافة أصلية يسميها العلماء بجاوية، وثقافة عربية وافدة أتت من جزيرة العرب.
والثقافة البجاوية تضع المرأة في مكان رفيع، أما الثقافة الأخرى فتحاصرها في مربع الجنس، ويتم حبسها في المنزل، لذا وعلى الرغم من أن المجتمع السوداني ذكوري إلا أن هناك نوافذ أطلت من خلالها المرأة السودانية ذات الإرث الطويل في حضورها بشكل فاعل في المجتمع.
*إذا عقدنا مقارنة حول وضع المرأة السودانية بين ما هو قائم الآن وما كان في السابق، هل ثمة تقدم في وضعها فيما يخص حريتها وعدم اضطهادها؟
– ليس هنالك تقدم فيما يخص حريتها، بالعكس هناك تدخل حتى في أبسط حقوقها، وهي اللبس، ونتيجة للقوانين التي أريد بها إرجاع النساء إلى حوش الحريم، زادت معاناة المرأة، وأصبح المجتمع أكثر عنفاً تجاهها، على الرغم من أن معظم المجتمع الآن تعوله المرأة. فقد أدت الإنقاذ دوراً كبيراً في سن قوانين لاستهداف النساء، كما أدى الفكر السلفي والفتاوى والأحاديث غير الصحيحة أو الضعيفة دوراً كبيراً، وصارت هي الأساس، وأصبح حديث أم عطية صحيحاً لتقنين الختان، وحديت (خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء) ضعيفاً حتى يتسنى للمشرع اضطهاد النساء.