تمر معظم دول العالم بأزمات اقتصادية أثرت في نموها الاقتصادي وتنميتها، إذ تعاني الزيادة السكانية، والهجرة إلى المدن، وانتشار البطالة، وانخفاض الموارد، وزيادة نسب الفقراء، وشح الاستثمارات، وهذا الأمر يؤثر سلباً في فرص الشباب الذين يسعون إلى تأسيس أعمالهم ومشروعاتهم الخاصة.
وفي إطار الجهود للتغلب على هذه العوامل وآثارها الاقتصادية والاجتماعية، ظهرت مبادرات للحد من تلك العوامل ومعالجة آثارها، فكانت إستراتيجيات المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومشروعات الأسر المنتجة، وظهرت تجارب ناجحة في تطوير المشروعات الصغيرة وتنميتها، وإنشاء بنوك متخصصة لتمويلها.
على الرغم من أن الآراء حول تعريف المشروعات الصغيرة قد اختلفت من دولة إلى أخرى، إلا أن هنالك بعض المعايير المستخدمة للوصول إلى تعريف، أهمها: حجم العمالة أو حجم رأس المال أو حجم الإنتاج أو متوسط المبيعات أو مستوى التكنولوجيا المستخدمة.
ويعد تعريف البنك الدولي القائم على حجم العمالة المحدد بين فرد واحد وخمسة عشرين فرداً، من أهم تلك التعريفات. إن ما اتفق على تسميته بالتمويل الأصغر هو:” تقديم الخدمات المالية وغير المالية مثل الإدخار والتحويلات للفقراء وذوي المداخيل المحدودة، والتدريب وبناء القدرات. ويعد التمويل الأصغر منهجاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، يسعى إلى تمكين محدودي الدخل والفقراء والعاطلين عن العمل والناشطين اقتصادياً من الجنسين من الحصول على رأس مال مناسب لنشاطاتهم للخروج من دائرة الفقر. ويمتاز التمويل الأصغر بالمرونة الكافية وإمكانية الوصول إلى الفئة المستهدفة في أماكن وجودها لإيصال الخدمات المالية اليهم.
ومن هذا المنظور انطلقت فكرة تنظيم مؤتمر حول “المشروعات الصغيرة والأسر المنتجة رافداً للتنمية ودور البلديات والقطاعين العام والخاص والمجتمع المدني لإنجاحها”، نظمه المعهد العربي لإنماء المدن بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية حلال الفترة 2-4 آيار( مايو) 2017م. وتظهر أهمية هذا المؤتمر من ضرورة توجه الاقتصاد الحديث إلى تنمية المجتمعات المحلية والاهتمام بالأسر الفقيرة وتوظيف الشباب والشابات ومحاربة الفقر وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ لتكون روافد للتنمية، كما تنبع أهمية هذا المؤتمر من مواجهة التحديات التي تواجه المستفيدين من تلك المشروعات وارتباطها بالاقتصاد الحديث في تنمية المجتمعات المحلية، والتجارب الرائدة المحلية والإقليمية والدولية في تأسيس بنوك تنمية القرى والأسر المنتجة ومشروعات توظيف الشباب ومحاربة الفقر.
وقد هدف مؤتمر عمان إلى: (1) التعرف إلى المتغيرات الاقتصادية المعاصرة وآثارها الاقتصادية والاجتماعية في وتيرة التنمية. (2) التعرف إلى واقع المشروعات الصغيرة ومشروعات الأسر المنتجة وآثرها في مؤشرات التنمية في المنطقة العربية. (3) تقييم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وارتباطها بأهداف التنمية المستدامة. (4) التعرف إلى أساليب معالجة سلبيات المشروعات الصغيرة والأسر المنتجة وإمكانيات تشجيعها ودعمها في الدول العربية. (5) استعراض التجارب الرائدة في دعم المشروعات الصغيرة والأسر المنتجة. (6) تكوين شبكة للتواصل بين المؤسسات العاملة في مجالات المشروعات الصغيرة والأسر المنتجة وتوظيف الشباب ومحاربة الفقر.
وقد شارك في مؤتمر عمان نحو 250 باحثاً ومهنياً ممارساً من بينهم أربعة من الخبراء السودانيين قدموا أوراق عمل تحدثت عن تجارب السودان في دعم المشروعات الصغيرة والأسر المنتجة وانشاء الصناديق وبنك الأسرة.
أجفند وبنك الإبداع
وتطرقت ورقة الاستاذ الدكتور بدر الدين عبد الرحيم، كبير مستشاري “برنامج الخليج العربي للتنمية”( أجفند)، إلى الملامح الأساسية لنموذج (أجفند) الذي قامت عليه فكرة التمويل الأصغر، وتحقيق الشمول المالي في إطار أهداف الألفية الثالثة للتنمية المستدامة عبر التوافق مع الاحتياجات التنموية للشرائح المهمشة والمرأة والطفل والفقراء لتمويل مشروعاتهم التي تحولهم من أسر فقيرة الي أسر منتجة. كما تناولت الورقة فكرة تأسيس بنك الإبداع بالسودان، الذي أسسه برنامج (أجفند) ومراحل تطوره ومنتجاته وملامح من نتائج الأداء. كما استعرضت الورقة ملامح من السياسات والتشريعات وإستراتيجية التمويل الأصغر قي السودان.
وقد ركزت ورقة الأستاذ عادل بله، مدير بنك الإبداع السوداني، كاحد مخرجات مبادرة (أجفند) لإنشاء بنوك الفقراء، وقد تأسس بنك الابداع بدعم من البنك الإسلامي للتنمية ومساهمين من القطاع الخاص العربي والسوداني. وظهرت نشاطات البنك في بيئة تشريعية وسياسية مشجعة لتنمية وتطوير قطاع التمويل الأصغر في السودان.
وقد تم تصميم منتجات بنك الإبداع بصورة مبتكرة تلبية لاحتياجات الفئات المستهدفة، وذلك لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030م. واستهدف البرنامج المرأة والأطفال والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، و عمل البنك علي توفير الطاقات البديلة والمساهمة في تطوير المناطق الريفية .
منتجات بنك الإبداع
من أهم منتجات بنك الإبداع السوداني:
– منتج الأطفال: الذي أنشأ نحو 360 روضة/حضانة لنحو 10852 طفلاً، مع تدريب 1438 مشرفة.
– منتج الطاقة الشمسية: وقد هدف هذا المنتج إلى توفير الإنارة الداعمة في المنازل الريفية، وتوفير طاقة بديلة تساعد علي تشغيل الماكينات في المشروعات الزراعية، والاستفادة من الطاقة الشمسية في المشروعات الاستثمارية الصغيرة.
– منتج الصمغ العربي: ويهدف هذا المنتج إلى تنظيم جمعيات الصمغ العربي لبناء قدراتها في مجالي الإنتاج والتسويق، كما هدف إلى توفير حزمة من خدمات التمويل الأصغر للمستفيدين من صغار منتجي الصمغ العربي بولاية شمال كردفان.
– منتج مراح الثروة الحيوانية: هدف هذا المنتج إلى زيادة الأصول، والدخل لصغار مربي الأغنام والرعاة.
– منتج التعليم: يوفر هذا المنتج التمويل للأسر لتسجيل أبنائهم في المؤسسات التعليمية في الوقت المحدد، ولتقليل الفاقد التربوي.
– منتج شبابي: يركز هذا المنتج في فئة الشباب للمساهمة في تقليل نسب البطالة وسط الشباب والطلاب، وتحويلهم من باحثين عن وظيفة إلى خالقي فرص عمل لهم وللآخرين.
مشكلات المشروعات الصغيرة
أما ورقة الدكتور محمد الفاتح فقد تحدثت عن مصادر التمويل الأصغر في السودان، كالقطاع المصرفي والمنظمات غير الحكومية والصناديق الاجتماعية.
كما تحدثت عن أهمية المشكلات التي تواجه المشروعات الصغيرة في السودان، التي تلخصت في ارتفاع تكلفة رأس المال، وتدني العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وارتفاع معدلات التضخم وتأثيره في أسعار المواد الأولية، ومحدودية التمويل وعدم وجود ضمانات ومخاطر الإئتمان، ونقص في المواد الخام، ومشكلات ترتبط بالتسويق والإجراءات الحكومية والأنظمة والتشريعات وغيرها.
كما تناولت دراسة الفاتح دور بنك الأسرة في التمويل الأصغر لتخفيف حدة الفقر وتمويل الأسر، من خلال تقديم خدمات مالية متنوعة ومستدامة تلائم متطلبات الفقراء. واعتمد بنك الأسرة على فكرة النوافذ التمويلية لإنسان الريف عبر مكاتب ريفية تتبع لأقرب فرع للبنك، حيث تقدم خدامات التمويل الأصغر وأنشطة إنتاجية زراعية وحيوانية، تصنيع غذائي، وصناعات تحويلية، وصناعات يدوية وغيرها من الصناعات والمنتجات.
دورا الأسرة وشركاء التنمية
أما ورقة الدكتورة إيمان أحمد علي، فقد هدفت إلى تحليل دوري الأسرة وشركاء التنمية في محاربة الفقر بولاية الخرطوم. وعددت الباحثة الشركاء في الآتي: الإدارات الحكومية وذات العلاقة والقطاع الخاص، وغرف التجارة والصناعة، والاتحادات والنقابات، والجمعيات الأهلية والتعاونية والبنوك، وشركات التأمين والأحزاب السياسية والجامعات ومراكز البحوث. وأوضحت الباحثة أن الشركاء قد أسهموا في تمويل المشروعات الصغيرة والأسر المنتجة، فعلى سبيل المثال خصص البنك المركزي نحو 12% من سقوف التمويل للبنوك سنويًا للأعمال الحرفية والمهنية لصغار المنتجين. كما خصص بنك فيصل الإسلامي السوداني فروعًا في الولايات لتقديم تمويل للصناعات الصغيرة والحرفية بأقساط مريحة وضمانات ميسرة، وقبول الضمانات الشخصية.
وخلصت الباحثة إلى “أنه على الرغم من النجاحات التي حققتها الشراكات بين شركاء التنمية بولاية الخرطوم في الحد من ظاهرة الفقر، ‘لا أن تلك التأثيرات ظلت محدودة وجزئية”. كما أوصت الباحثة بضرورة وضع أسس ومعايير علمية وتشريعية واضحة المعالم للشراكة بين الولاية والمجتمع المدني من خلال إدخال إصلاحات على الهياكل الرسمية، مع توفير إطار مؤسسي يحدد التعاون بين الولاية وشركائها في التنمية.
على الرغم من الجهود المبذولة في السودان من مؤسسات التمويل لصغار المنتجين والحرفيين والأسر المنتجة، إلا أنني أرى أن الأداء لتلك المؤسسات لا زال ضعيفًا ومحدودًا في تأثيره في محاربة الفقر، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما أن تلك الجهود التي سبقت الإشارة إليها لم تستهدف إلا أعدادًا محدودة من الفقراء والمحتاجين والعاطلين عن العمل، وحديثي التخرج من الجامعات والمعاهد العليا.