الخرطوم- التحرير:
الصادق المهدي
ألقى الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار عبدالمحمود أبو خطبة العيد إنابة عن رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي قائلاً في مستهلها: “أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز.. تَعَوَّدَ أهلُ السودان منذ عقود، أن يستمعوا من هذا المنبر لحكيم السودان الإمام المجدد الحبيب: الصادق المهدي؛ الذي ابتكر أسلوباً جديداً في الخطب الدينية، محررا لها من التكرار، والتغني بأمجاد الماضي، إلى أسلوب التفكر والتدبر والاعتبار واستشراف المستقبل”.
وأضاف: “لقد فصلت بيننا وبينه المسافات، ولكن الوصال الروحي يربطنا، والعطاء الفكري يجمعنا به، وهو كالغيث حيثما حل نفع؛ وبعد ساعات سيؤم جموع المسلمين في العاصمة البريطانية، فإن ضاقت به صدور أولي القربى فقد انفتح أمامه فضاء أوسع”.
وأوضح “أن الهجرة سنة الأنبياء وديدن المصلحين، ويعقبها النصر المؤزر دائماً بإذن الله؛ فلسان حال الحبيب يقول:
يا أيها الوطن العزيز ألا اصطبر لا بد أن ألقاك أو تلقاني
الله يحكم لا يُبَدِّل حُكمَهُ حُكْمٌ مع الأيام والأزمان
فالنفس آملةٌ وإني ناظرٌ لليوم فيه أعود للأوطان
وجاء في خطبة الصادق المهدي: “لَقَد قَضَت ضَروراتُ الجهادِ المدني أن نحْضَرَ العيدَ خارج الوَطَن. ولكن الوَطَنَ إنْ لَمْ نَكُنْ فِيْهِ فَهُوَ فِيْنا. نِظَامُ الحُكم الحالي من استخفافهِ بشأن مواطنيه أنه لم يُجْر حواراً حقيقياً إلا بوساطةٍ أجنبيةٍ، وفي خارج الوطن، لذلك أبْرَمَ كل اتفاقياته خارج الوطن: في كينيا، في أوغندا، في نيجيريا، في اسمرا، في قطر، وهلمَّ جراً. إنه نظام تغريب للقضيةِ الوطنيةِ. غيابُنَا الآن متصلٌ بالقضية الوطنية كما تتابعون، وسوف ينتهي إن شاء الله عودةً إلى الوَطَن”.
وأوضح الإمام الصادق أن رسالةُ الوحيِ في أمْرِ الثوابِتِ واحدةٌ هِيَ: التوحيدُ للهِ، النبوةُ، مكارمُ الأخلاقِ، والمعَادُ”، مشيراً إلى أن “الرسالةُ المحمديةُ امتازَتْ على غيرها بثلاثةِ أمورٍ: أنَّها الخَاتمةُ، وأنهَّا للناسِ كافةً، وأنها اعتمدت مواهبَ الإنسانِ: القبسُ الرُّوحي، والعقلُ، وحريّةُ الاختيار”.
وأوضح “نحنُ الآن في موسم الحج. وللحج مقاصدَ، هي: ترسيخُ عقيدةَ التوحيدِ، واستنزالُ رحمةِ اللهِ، ومناجاتُهُ، والرمزُ لوحدةِ الأمةِ، وتجريدُ الناسِ مِن مظاهر التفرقة بينهم، وإتاحةُ مجالٍ لتعارفَ بينهُم، وليشهدوا منافِعَ لَهُم”.
ودعا الصادق المهدي إلى الاكتفاء بحجة واحدة؛ لأن “هنالك مستجدات توجب اجتهادات، فعدد المسلمين الْيَوْمَ بليونين إلا قليلاً، وقد كانوا مليوناً واحداً. ولتجنب الزحام يُرجى أن يكتفي المستطيعون بحجة واحدة، ويُرجى تكوين صندوق (بدل حج) يساهم في تمويله من نوى الحج منهم مرة ثانيةً أو ثالثةً، ويُوجَّهُ عائدُهُ لتمويلِ فرِيْضَةٍ أخْرَى هي إغاثةُ المحتاجين التي أوجبها الله”.
وتناول ما تعرَّضَت له أمتنا من ممارسات ظالمة وافدة، واستشهد بأقوال أهلها: “قال مايكل اورن في كتابه عن سياسة أمريكا في الشرق الأوسط: لا يوجد في مجال الهندسة الاجتماعية في العالم عمل أكثر استفزازاً من تأييد أمريكا لقيام دولة يهودية في عالم عربي شديد العداء لها.
وقال بول كينيدي في وول ستريت جورنال (5/10/2001): لو وضعنا أنفسنا في مكان سكان الشرق الأوسط، ووضعناهم في مكاننا وفعلوا بِنَا ما نفعل بهم الآن، فسوف يكره الأمريكيون هذا العملاق الشرق أوسطي الافتراضي ويحاولون إيذاءه”.
وقال موضحاً: “والتدخلات الوافدة تطول. فلولا المشهد الأفغاني ما كانت القاعدة، ولولا احتلال العراق ما كانت داعش. وهم يتدخلون في المنطقة لحماية مصالحهم النفطية كما قال رئيس وزراء قطر السابق: ننفذ فيما يتعلق بحجم إنتاج وتسويق النفط ما يطلبون منا””، كما أشار إلى تدخلهم لحماية إسرائيل، ونبه إلى أن “هذه التدخلات في المنطقة جعلت القوى المتدخلة حريصة على تعميق الخلافات بين سكان منطقة الشرق الأوسط الكبير”، واستدرك بقوله: ” الواجب الإستراتيجي والديني الآن؛ إدراك أن الحروب الطائفية والقومية الحالية سوف ترهق أطرافها، ولن يكون فيها منتصر لأنها تستمد من جذور موروثة، ولأن كل طرف يستطيع أن يستنصر بجهة إقليمية أو دولية إن أراد”.
ودعا الإمام الصادق إلى إنهاء الخلاف بين أهل السنة والشيعة على ستة مبادئ، وهي في رأيه: الاعتراف المتبادل أننا أهل قبلة واحدة، وعقيدة واحدة، وأن أهل السنة يلتزمون بمكانة آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم كما هي دأبهم، والشيعة يلتزمون بمكانة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم سيما أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعائشة رضي الله عنهم، ويحترم الشيعة المجموعات السنية في أوساط أغلبيتهم، ويحترم أهل السنة المجموعات الشيعية في أوساط أغلبيتهم، والاعتراف المتبادل بمذاهب أهل السنة الفقهية وبمذهبي الشيعة باعتبارها اجتهادات بشرية”.
وطالب المهدي بإيقاف الحروب، ووضع حد لتوتر دول مجلس التعاون الخليجي، وإبرام معاهدة أمن وتعايش ثلاثي الأضلاع: عربي، إيراني، تركي.
وحذر من أن “هنالك تيارات مستجدة في الغرب تقوم على إثارة الكراهية والمخاوف، وتتوجه عدائياً ضد الإسلام والمسلمين. هذه التيارات مخربة. ومن شأنها أن تتجاوب مع أطروحات التطرف والعنف في بلداننا ما يوجب التصدي لها”.
وأوضح المهدي “أن هنالك عوامل تجعل الإسلام، بفهم التدبر والحكمة، صالحاً لتزويد قضايا الساعة ببعد روحي وأخلاقي”.
ووصف المهدي العيد بأنه “مناسبة سرور لكل الأجيال، لا سيما الأطفال فلذات أكبادنا تمشي على الأرض. ومهما كانت الظروف حالكة يرجى ألا نحرم طفولتهم من البهجة والمسرة”، وأضاف: بعض بناتنا وأخواتنا يحرصن على رونق المظهر كما ينبغي، ولكن نرجو تجنب وسائل التبييض الكيماوية المضرة للصحة والمسرطنة. فإن للسمار جماله، كما لسائر الألوان الطبيعية التي خلقها الله. ومع الحرص على استقبال العيد بالحناء الطبيعية، كذلك ينبغي تجنب الصبغة بدلاً عن الحناء لعظيم ضررها على الصحة”.
وتناول الإمام الصادق فجيعة “شهداء البحيرة من المناصير، وقبلهم بناتنا شهيدات مدرسة دار السلام”. وقال: “إن مأساة المناصير أفزعتنا جميعاً، وفضحت كيف تم عقاب الذين رفضوا الانصياع لخيار التهجير بحرمانهم من الخدمات الأساسية، وتعريض أبنائهم وبناتهم للمخاطر من عقارب حصدت أرواح العشرات منهم، ثم الرحلات المدرسية اليومية المحفوفة بالموت المحقق”.
وأكد المهدي التضامن مع متضرري السيول والأمطار في النهود وكسلا، بل حتى في العاصمة الخرطوم وغيرها، و”رفع كل مظاهر الاحتفال بالعيد التي درجنا عليها: موكب الجياد والمعايدات في دار الهيئة ودار الحزب”.
وفي الخطبة الثانية أشار الصادق المهدي إلى أن “هناك بعض النظم في بلاد مسلمة في آسيا، كما في ماليزيا، تظهر حوكمة رشيدة. ولكن في العالم العربي، باستثناء قليل، تظهر درجة عالية من السوء في كافة مناحي الحياة، والاستبداد في الحكم، حتى أن بعض المعلقين صاروا يسمونها “الاستثنائية العربية” التي وثق لها تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية لعام 2002، ما جعل كاتباً وهو رالف بيترز يقول: ينبغي أن نعتبر البلدان العربية من سكان العالم الإسلامي عاجزة عن التحول البناء”.
وأكد المهدي”أن السودان مع انه الآن مصنف من الدول الفاشلة والفاسدة بالمقاييس الدولية، فإن به عدة عوامل تجعله واعداً من حيث القدرة على الخروج من المستنقع الذي يقبع به حالياً، ومنها أن الإسلام والعروبة لم يدخلا السودان في ظل دولة مركزية، بل نتيجة تحول مجتمعي، وأن التجربة الديمقراطية انفردت في المنطقة بصفاء ليبرالي نمت في حضنه منظمات سياسية حقيقية، وأن النظم الاستبدادية التي حكمته، مهما طال عهدها، زعزعتها المطالب الشعبية الديمقراطية وأجبرتها على سلخ جلدتها مرات حتى هوت”.
وعن النظام القابض الحالي، قال المهدي إنه “محاط بعوامل الحاجة الملحة للتغيير، وأهمها: رفع شعاراً إسلامياً وأفرغه من مقاصد الإسلام العدلية في الكرامة، والحريّة، والعدالة، ورفع شعار إنقاذ البلاد من التمرد ولكنه انهزم أمامه، فضاعت وحدة البلاد، واتبع سياسات انحياز إثني، فأشعل حرباً أهلية في دارفور مستمرة منذ 2002 وحتى الآن”.
وأشار المهدي إلى النظام ” أفلح في الاستفادة من اتفاق أبرمناه مع شركة شيفرون استخرج بموجبه البترول. ولكنه بدد عائد البترول بعد أن جعل اقتصاد البلاد يعتمد عليه، في أسوأ ظاهرة لمتلازمة “المرض الهولندي” المرض الاقتصادي المعلوم (ويطلق على الاعتماد على مورد ريعي وحيد كالنفط وإهمال الموارد المتجددة كالزراعة)”.
وعدد الصادق الأدواء التي تعانيها البلاد في ظل الإنقاذ، مشيراً إلى أن سعر الدولار الآن ما بين 40 إلى 50 ألف جنيه سوداني للدولار الواحد! وأوضح أسباب الحرب في كردفان ودار فور، واستغلال النظام الفتنة للاستمرار، وطالب القبائل بالتصالح، وتجنب الاستقطابات الإثنية”، وقال: “نحن في السودان كما قالت الشاعرة السودانية:
هنا العروبة في جذر الزنوجة
في فرادة جمعت كل الأفانين”.
وشرح المهدي ورطة نظام الحكم في السودان، وقال إنه “الآن يقف مواجهاً 63 قراراً مضاداً صادراً من مجلس الأمن الدولي، أكثرها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وأخطرها القرار 1593، الذي بموجبه قرر مجلس الأمن بالإجماع إحالة قيادات سودانية للمحكمة الجنائية الدولية، وألحق بهم اتهام لرئيس النظام بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجريمة الإبادة الجماعية”، مشيراً إلى أن “هذه الفظائع مجتمعة جعلت النظام محاصراً ويائساً، ما جعل قيادته تناشد رئيس دولة كبرى -روسيا- لحمايته. وجعلته يخالف الأعراف متجاوزاً أجهزة الدفاع النظامية للاعتماد على حماية جهات غير نظامية. لقد صار الاستمرار في الحكم هدفاً في حد ذاته بلا أيديولوجية أو برنامج، بل الاستمرار في السلطة للمحافظة على مكاسب السلطة والحماية من ملاحقة المحكمة”.
وحول جمع قوى المعارضىة، أوضح أن “نداء السودانصار تكويناً جامعاً لقوى سياسية مدنية، وقوى الجبهة الثورية، ومنظمات مجتمع مدني”.
وأكد أن موقفه المبدئي من “العمل لنظام جديد بالقوة المسلحة مرفوض”، وسوغ ذلك بأنه سوف يجبرنا على الاستعانة بجهة أجنبية، وحتى إذا حقق إسقاط النظام بالقوة فإنه سوف يضطر لإقامة نظام تحميه القوة، أي سيكون على حساب تحقيق الديمقراطية.
وقال: “لإقامة تنظيم واحد لقوى مدنية وأخرى مسلحة، ينبغي أن تكون القيادة كذلك موحدة مثلما كان الحال في الجبهة الوطنية التي حققت انتفاضة 1976م، والحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها المسلح”، موضحاً أن العلاقة التنظيمية بين مكونات تختلف في طبيعتها بين مدنية ومسلحة عسكرية تفرض عليها تنسيقاً لا تقبله ظروف العمل المسلح. ومهما قيل عن مسارين تحت قيادة موحدة فإن هذه العلاقة تشل حركة القوى المدنية سياسياً داخل السودان ودبلوماسياً خارج السودان”.
وأكد المهدي ضرورة “الفصل التام بين المسار المدني السلمي والمسار العسكري الذي يخص الجبهة الثورية وحدها”، مشيراً إلى أن “المكون السياسي للجبهة الثورية يؤيد أهداف ووسائل نداء السودان المتفق عليها، ويؤيد الوسائل السياسية لتحقيقها، وتتحمل الجبهة المسؤولية عن أية أعمال عسكرية، وهي لا تخص نداء السودان”.
وطالب المهدي من أيدوا النظام الحالي في مراحل ماضية واكتشفوا عيوب التجربة، وهم كثيرون، بأن يوجهوا الدعوة لمؤتمر للقيام بنقد ذاتي للتجربة وإجراء مراجعة شاملة لإعادة اكتشاف الذات والاستعداد للمشاركة في المسار القومي الجامع، رافضاً الدعوة إلى انتخابات عامة، أو المشاركة في كتابة الدستور.
وعرض المهدي على أهل السلطة غصن زيتون مقابل تسليم البلاد ورد الأمر لأهله؛ الشعب السوداني، وذلك باُسلوب ناعم عبر حوار باستحقاقاته، على غرار “الانتقال للحزب الوطني الأفريقي في جنوب إفريقيا، ولجماعة فرانكو في أسبانيا، ولحزب بينوشي في تشيلي وغيرهم”.
ولخص موقفه من محاكمة النظام: “نقول بوضوح: نحن مع المحكمة الجنائية الدولية وولايتها في إنهاء حصانات الحكام الذين يجرمون في حقوق شعوبهم. ونرفض طلب سفير كينيا للأمم المتحدة لإصدار فتوى من محكمة العدل الدولية لإعطاء حصانة لرؤساء الدول بصورة مطلقة. نفس الحصانة التي يعطيها الرؤساء المعتدين لموظفيهم المعتدين. ونقول: إن الحصانة تجافي العدالة وتعني الإفلات من العقوبة”.
وقال المهدي: “في مرورنا على عواصم العالم نجد أرتالاً من شبابنا ضاقت بهم ظروف الوطن. الظروف التي دفعت كثيرين منهم داخل الوطن للغياب بالمخدرات والغياب بالارتماء في التطرّف ومحاربة المجتمع. إنهم جيل سرق النظام حاضرهم، فلنعمل بجد لنؤمن لهم مستقبلهم”، وهنأ الناجحين في امتحانات الشهادة السودانية.