تعكس المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والايديولوجية للواقع الدولي الماثل تبايناً صارخاً بين منظومة الدول المتطورة ومنظومة الدول النامية أو المتخلفة.
وقد تبلور هذا التباين الذي يمثل علامة فارقة بين المنظومتين، ثم تمظهر فيما اصطلح عليه بـ”صراع الحضارات”. كما أدی، بمرور الزمن، إلی اختلالات كبيرة أصبحت تمثل تحديات سافرة بالنسبة إلى الأسرة الدولية بأسرها. وقد خلق هذا الوضع المشوه بيئة صراعية “Conflictual Environment”ظلت تعمل علی تهديد الأمن و السلم الدوليين، وهذا ما أدی إلی عدم الاستقرار السياسي الذي يعانيه كثير من الدول.
ومن المعلوم أن عدم الاستقرار السياسي يمثل المعادل الموضوعي لتوقف عجلة التطور عن الدوران وترسيخ التخلف العام، ما يقود، بالتالي، إلی تراجع الدولة غير المستقرة سياسياً في مضمار النمو والتطور العام.
غني عن القول إن منشأ الاختلالات آنفة الذكر هو هيمنة الدول المتقدمة علی القرار الدولي وتوجيهها السياسة الدولية لخدمة مصالحها الخاصة، الأمر الذي أدی إلی نشوء معادلة دولية مختلة.
وفي الواقع قامت أغلب الدول المتقدمة الحالية باستعمار كثير من الدول النامية لا سيما في آسيا وإفريقيا حيث كانت تقوم، خلال الفترة الاستعماربة، برسم سياسة مستعمراتها والتحكم في قرارها الوطني، فضلاً عن الاستفادة من ثرواتها ومقدراتها، في ظل سيطرتها علی السيادة الوطنية لتلك الدول.
غير انه، وبعد تفتح الوعي في أوساط النخب بتلك الدول المستعمرة، فقد تبلور رأي عام يندد بالاستعمار وينادي برحيل المستعمر، بل نشأت، تدريجيا، حركات التحرر الوطني National Liberation Movements بالدول المستعمرة ثم تنامی فيها الاتجاه الذي ينادي بطرد المستعمر.
وقد تصاعد هذا الاتجاه وأدی، تدريجياً، إلی تحرر كثير من الدول من الاستعمار، ونيلها استقلالها.
بيد أنه ساد، عقب رحيل المستعمر وانتهاء الفترة الاستعمارية، ما اصطلح علی تسميته بالاستعمار الحديث “Modern Colonization” الذي كان بديلاً للاستعمار التقليدي.
وقد قاد التطور السالب للنظام الدولي، في ظل هذا الوضع الجديد، إلی نشوء المنظومتين المتباينتين آنفتي الذكر اللتين تجسد إحداهما التطور العام في كل مناحي الحياة، في حين تجسد الأخری التخلف في كثير من المناحي.
وقد آلت المقاليد الدولية العامة إلی المجموعة الأولی، فغدت ترسم السياسات الدولية وتتحكم في الاقتصاد الدولي، وتوجه سياساته لمصلحتها البحتة، وذلك علی نحو لا تراعي فيه تبعات نهجها هذا.
وقد استمرأت منظومة الدول المتقدمة هذا النهج حتی تحول إلی عرف دولي مسلم به ضاربة عرض الحائط بميثاق منظمة الأمم المتحدة الذي ينص علی تعاون الدول فيما بينها، بالقدر الذي يؤدي إلی خلق بيئة دولية قوامها الأمن و الاستقرار.
وقد رسخ هذا السلوك الظلم، وأدی إلی خلق فجوة عميقة بين الدول المتطورة الغنية والدول المتخلفة الفقيرة.
وقد مضت الدول الغنية قدماً في نهجها هذا غير عابئة بعواقبه المستقبلية، فقاد إلی زيادة الدول الغنية غنی وزيادة الدول الفقيرة فقراً.
وإزاء هذا الوضع المشوه فقد بدأت الأصوات تعلو في أوساط الدول الفقيرة هنا وهناك منددة بهذا السلوك ومنادية بإصلاح يعمل علی علاج هذا الخلل.
ولما لم تتم الاستجابة لذلك، فقد دفع القهر المتنامي في الدول الفقيرة إلی عدد من الظواهر السالبة، منها: استهداف مصالح الدول المتقدمة بشتی الصور، ومنها كذلك ما يسمی بالهجرة غير الشرعية إلی الدول الغربية، وبخاصة دول أوروبا، كما أدی إلی ما يسمی بالإرهاب الدولي، الذي يعدّ نتاج الظلم السياسي الذي تمارسه بعض الدول الكبری.
وكان من المؤمل أن تؤدي منظمة الأمم المتحدة دوراً طليعياً في إصلاح هذا الخلل المهدد للاستقرار الدولي، الا أن سيطرة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، أي دول الحلفاء التي انتصرت علی دول المحور في الحرب العالمية الثانية، وحرصها علی الحفاظ علی وضعيتها المرسخة للظلم حال دون الإصلاح المنشود.
مجمل القول إن ثمة حاجة ماسة إلى هذا الاصلاح الذي من شأنه أن يخلق التوازن الدولي الضروري الذي يعد السبيل الوحيد لاستقرار العالم.