الحقيقة الذي لابد من مواجهتها بكل شفافية هي أن الأزمة السودانية بكل تداعياتها التي يعيشها المواطن تحولت إلى خيبة مجيدة، إذ لم يتوقف الأمر عند فشل السلطة وانهيارها، وافتضاح أكذوبة عباقرة الحركة الإسلامية الذين أثبتوا غباءهم السياسي، وعجزهم العقيم في المجالات كافة بعد تجربة مرة امتدت ثلاثين عاماً من الفشل السياسي والاقتصادي والأمني الذي دمر الاقتصاد وأورث البلاد الفوضى العارمة وشرد المواطنين وأفقر البلاد والعباد حتى بات الحصول على رغيف الخبز إنجازاً تاريخياً، وأصبح الناس يشترون المال السائل من المرابين لحوجتهم اليومية إليه، بعد أن عجزت البنوك عن توفيره .
السلطة في السودان تحولت إلى مافيا من الفساد تفتقر إلى المحاسبة والمراجعة. تسيدها المفسدون من مافيا الحزب الحاكم، ووكلائهم في مجالات السلب والنهب كافة من دون رقيب أو حسيب، حيث تهرب أطنان الذهب والعملات جهاراً نهاراً عبر مطار الخرطوم. لا أحد حتى الآن يعلم من يفعل ذلك، ومن هم هؤلاء النافذون؟ وكم من الأطنان والأموال قد هربت سلفاً؟
وقصص الفساد وسير النهب والسلب لا تستسثني أحدا من مافيا السلطة كبيراً أو صغيراً؛ لهذا كممت الأفواه، وقمع الصحافيون الشرفاء، وضيقت المساحات الحرة، إلا من إعلان الحفلات الغنائية أو الترويج للمدارس الخاصة، والمطاعم، وأدوات التجميل المغشوشة .
والخيبة تمتد أيضاً إلى جبهة المعارضة التي حاصرتها المتغيرات الإقليمية والدولية فأصبحت تجتمع وتنفض لتصدر ذات القرارات والتعهدات التي لا تجد من يترجمها على أرض الواقع، أو من يحملها في الشارع فتتحول إلى مجرد احتفالية بالبقاء والصمود في عواصم حرة دون أثر مادي في الشارع السوداني المكلوم .
إلا أن الخيبة الكبرى تكمن في الشارع السوداني نفسه الذي غابت عنه الجماهير المسحوقة وقياداتها فملأته مياه الأمطار سخطاً واحتجاجاً على سلبية قاتلة جعلت شرائح من المواطنين الذين غلب عليهم اليأس يبحثون عن حلول فردية، منهم من يلجأ إلى القاهرة هرباً، أو يغادر متى وجد السبيل مهاجراً، أو يستسلم لأقداره بين صفوف الخبز أو الوقود، وسخافات المسؤولين الفاشلين الذين يبررون عجزهم بحشد التأييد للرئيس لولاية أخرى تحمي فسادهم .
وإلى كل هذا تحول السودان إلى مستودع مستباح للمهاجرين الأجانب من القارة الإفريقية وخارجها بكثافة تؤثر يومياً في تركيبتها السكانية دون ضابط أو رابط لمن يدفع ثمن هويته المكتسبة، فامتلأت بهم الشوارع، بينما يهاجر الشباب بالمئات والألوف كل يوم وشهر وعام، والنظام سعيد بذلك الإفراغ المتعمد والإحلال المتعمد. ولكن حتما سيفاجأ أهل السودان يوماً أنهم غرباء في وطنهم .
لذا ولكل هذا لم تجد الشوارع من يملأها محتجا على هذه الأزمات ومؤامرة سماسرة السلطة على الوطن فملأتها مياه الأمطار لتكون وفية لأرض تغوص في أعماقها، هكذا يبدو مثلث الأزمة، وهكذا تبدو خيبتنا.