خلال مسيرتي الصحفية التي امتدت 12 عاماً قابلت كثيراً من السياسيين من قارات العالم الست بمختلف المدارس الفكرية والايدولوجية. بعضهم كنت قريباً منهم بحكم العمل الصحفي الذي يتطلب حوارات و تصريحات خاصةexclusive؛ إذ قابلت في الفترة من 2008م حتى 2013م كلاً من القائم بالأعمال الأميركي الأسبق البرتو فيرنانديز، والمبعوثين الأميركيين اسكوت جريشان وبرستون ليمان وفيرين دي كسير والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر والسفير البريطانية السابقة، ومبعوثة الاتحاد الأوربي روزاليندا مارسيدين (صاحبة البركاوي الشهير). جميع هؤلاء كانت لهم جوانب مضيئة.
الحقيقة أنه ليست أميركا كلها شر، وليست أوربا مكان صنع المؤامرات فقط، لكن يمكن أن تجد الخير في مكان تظن أنه كل شرور.
يجب أن نفهم أو نتفهم أن العلاقات الدولية تنشأ على مبدأ المصالح المشتركة لا صداقة تدوم ولا عداوة تستمر، بل المصالح هي التي توجه بوصلة العلاقات الدولية.
رحل بالأمس السيناتور الأميركي جون ماكين عن عمر ناهز 81 عاماً. أشد ما أعجبني في شخصية الرجل مواقفه القوية، وتمسكه بقناعاته، رغم كل الانتقادات.
جون ماكين وقف ضد حرب العراق، وكان أشد المعارضين لسياسة جورج بوش. ماكين بطل حرب فيتنام، وقع أسير حرب، وقبع ردحاً من الزمان في السجن؛ لذلك كان من أقوي المؤيدين لإغلاق سجن غوانتانامو؛ لأنه رجل تجرع ذل السجون، وليالى الغياهب.
مسيرة ماكين كانت ساطعة بكثير من المواقف المشرفة، كشفت لنا سطحية تفكير العقلية الشرق أوسطية في انتخابات 2008م ضد المرشح الديمقراطي باراك أوباما؛ إذ انحاز العالم العربي والإسلامي من طنجة الي جاكرتا إلى أوباما ذي الجذور الإفريقية والخلفية الإسلامية، والبشرة السمراء، وكان الظن أن تلك العوامل سوف تساهم في تغيير سياسة الإدارة الأميركية نحو العالم العربي.
هذه السطحية جعلت الناس تهلل لفوز أوباما الذي ارتكب أكبر الموبقات في الشرق الأوسط. في عهده انتشرت الفوضى الخلاقة، وبدأت مراحل تكوين الشرق الأوسط الكبير الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأمبركية مادلين أولبرايت، ووضعت لبناته الأولي كونداليزا رايس.
متي تفهم الشعوب العربية أن اللون والعرق لا يعنيان شيئاً في السياسية الأميركية. أذكر عبارة ماكين بعد فوز أوباما، إذ قال: “تنافسنا بقوة في الصراع الانتخابي، وقدنا حرباً ضد بعضنا بعضاً في أثناء الحملات الانتخابية، لكن اليوم توقف كل ذلك. أميركا لها رئيس جديد. أنا أؤمن بالحرية والعدالة والمساواة، ورفاهية الشعب الأميركي وكذلك الرئيس أوباما.
“بربكم في أي بلد عربي وشرق أوسطي يحدث ذلك، ولأننا شعوب لا تعي الدروس، محاولة فوز أوباما علي مكين هي إعطاء فرصة لفوز Rainbow على wasp ، وعندما ترشحت هيلاري كلينتون، معظم استطلاعات الرأي العام العربي كانت ترجح فوزها؛ لكونها امرأة وترامب شخص معتوه وغيرها من التحليلات الفطيرة، ولازال البعض ينتظر إطلاق فرحتهم بعزل ترامب.
عموماً ماكين رحل وقدم درساً للساسة، وهو: أنه في مجتمع الأشرار يوجد أخيار يمكن استمالتهم. ودرس ترامب المفيد هو أن ما تراه جنوناً وتهوراً وعبطاً ليس بالضرورة ما يراه الآخرون.
*صحفي وإعلامي سوداني
باحث في العلاقات السودانية الأميركية