التخاطب مع الناس فن يبلغه الإنسان بالعلم والعقل كما ذكر الدكتور علي الصياح، فكم من صداقات قامت بسبب حسن الأدب في التخاطب، وبالمقابل كم من عداوات قامت بسبب سوء الأدب في التخاطب.
العاقل يتعلم من أدب التخاطب وفنونه ما يصل به إلى قلوب الناس؛ مراعياً فقه الكلمة، وخطورة اللفظ، وحفظ المنطق، واللسان رسالة ومعرفة القلوب.
قال يحيى بن معاذ “القلوب كالقدور في الصدور تغلي بما فيها، ومغارفها ألسنتها، فانتظر الرجل حتى يتكلم، فإن لسانه يغترف لك ما قلبه، من بين حلو وحامض، وعذب وأجاج”.
اللسان قد يكون آفة منفرة، وقد يكون مدخلاً للقلوب، ومنهج القرآن التربوي يأمر الإنسان المسلم بأن يخاطب الآخرين بالخطاب الحسن. ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، (الإسراء: 53)، و﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، (النحل: 125) .
وما أحسب أن كل ذلك غائب على السيد الزبير أحمد الحسن، الأمين العام للحركة الإسلامية، وهي كيان يصعب تصنيفه كحزب سياسي أو نقابة أو منظمة طوعية أو جمعية خيرية أو منبر ثقافي، فهي كل ذلك وأكثر.
عرف عن الرجل الإتزان والاقتصاد الشديد والمعقولية في تصريحاته، فهو مثلاً لم ينكر وجود أزمات معيشية في كل أنحاء البلاد، وأكد قبل أسابيع قليلة “تقديرهم واحترامهم للشعب السوداني لاحتماله آثار الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد ولا سيما أزمة الوقود”، وهو أمر يحمد له، لكنه فاجأ الجميع، حينما قال مؤخراً في حديث صحفي: إن الأنقاذ حوّلت الشعب السوداني إلى مجموعة كبيرة من الأثرياء .وحوّلت الشعب السوداني لحالة اقتصادية أفضل بكثير مما كان عليه، وأوجدت فرصاً كثيرة جداً للأذكياء، والمواطنين عامة، ومن جملتهم الإسلاميين، بالنسبة نفسها.
ونفي أن تكون معدلات الفقر قد ازدادت في السودان، مشيراً إلى أن معدلات الفقر نقصت كثيراً جداً، وأضاف قائلا: “نحن كنا فقراء، والفقير كان عنده جلابية واحدة، وبكون قاعد في أوضة طين واحدة، لم يسمع بحاجة اسمها كرسي، ولم يسمع بأنبوبة غاز، لم يسمع بالكهرباء، والآن الفقير لديه هذه الحاجات، ولكن فقير أيضاً”.
وبغض النظر عن عدم صحة ادعاء السيد الزبير بانخفاض معدلات الفقر، وهي قطعاً غير صحيحة، وضيق عيش الناس قبل مجيئهم، إلا لو كان يحكي عن تجربة أو تجارب شخصية معينة، فإن أسلوب الخطاب نفسه غير موفق ومسيء أيما إساءة ومستفز للمتلقي الذي هو الشعب السوداني الغارق في المعاناة وضنك الحياة. لا يليق حقاً بالسيد الزبير، ولا بموقعه الذي يفترض أنه إرشادي ودعوي ويلزمه باستخدام ألفاظ أفضل. لقد شق الرجل علينا.
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم(ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن)، والمسلم صاحب الحسن المرهف يغشاه الوجل والخوف أن تجري على لسانه كلمة فاحشة، توجب له بغض الله، أو تسلب عنه صفة الإيمان الكامل.
وقال صلى الله عليه وسلم في ختام نصحه لمعاذ، رضي الله عنه: ( ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم)، رواه الترمذي.
آفة اللسان أثرٌ من آثار الجفاء، وهو غلظ الطبع، وهو دليل على قلة الحياء. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)، وهذا يشمل الرفق في الأقوال، والرفق في الأفعال.
وأستغفر الله لي وله ولكم.