لا توجد أي مفارقة أو غرابة في أن تتوج السيدة ميادة سوار الذهب رئيسة ما يسمى”الحزب الديمقراطي الليبرالي السوداني” علاقتها بالنظام الإجرامي المغتصب للحكم في السودان بالزواج من أحد وزرائه!
فهذه السيدة هي نموذج للقيادات المصنوعة على أعين الأجهزة الأمنية للعبث بفكرة “المعارضة السياسية من أساسها” وتضليل الرأي العام وإلهائه بالرموز الزائفة بهدف اغتيال مجرد الأمل في التغيير عبر صناعة بدائل وهمية تصنع ضجيجاً سياسياً، وتفتح لها وسائل الإعلام الباب على مصراعيه لترسيخها كشخصيات معارضة، ثم ينتهي بها الأمر إلى الانخراط كامل الدسم في النظام الحاكم! والرسالة واضحة جداً: لا بديل للنظام سوى النظام!
أسرفت وسائل التواصل الاجتماعي في تناول الموضوع، وفي حدود ما اطلعت عليه كانت زاوية التناول هي الزاوية الخطأ! وهي ان ميادة سوار الذهب خانت مبادئها اللبرالية بأن أصبحت زوجة ثانية! وأصحاب هذا الرأي ابتلعوا الطعم واشتروا فرية أن هناك لبرالية وديمقراطية وهناك توجهاً فكرياً أصيلاً وناضجاً تمثله هذه السيدة “المصنوعة”، وان خطأها بدأ الآن بأن خانت ذلك التوجه بالقبول بأن تكون زوجة ثانية للسيد حامد ممتاز وزير الحكم الاتحادي بحكومة المتهم الهارب من محكمة الجنايات الدولية عمر البشير!
وفي هذا الاتجاه مضى البعض في الانحراف أكثر عن جوهر الموضوع، وراحوا يتحدثون عن أن الزواج خصوصية شخصية ومن غير اللائق التعليق عليه سلباً أو إيجاباً في المنابر العامة!
الإطار الصحيح لحكاية هذا الزواج هو تسليط الضوء على “صناعة البدائل الزائفة” التي برع فيها النظام لإحكام سيطرته على المجال العام، فهذا النظام الذي انحط لدرجة أن أشرس الموالين له أصبحوا عاجزين عن الدفاع عنه إلا بحجة واحدة وهي “سوء المعارضة” الذي أصبح خط الدفاع الأوحد، وبالتالي اجتهد النظام في تقوية هذا الخط ودعمه بكل ما يضخمه!
ولهذا السبب بالذات، فإن تخريب وتقسيم الأحزاب السياسية عبر تلغيمها بعملاء جهاز الأمن، وصناعة أحزاب وحركات وشخصيات زائفة ترفع شعارات ولافتات ذات جاذبية وبريق يستنزف بنداً عملاقاً من بنود الإنفاق الأمني خصماً من خبز المواطن ودوائه!
فهذا النظام الساعي للاستيطان في السلطة دون أي مؤهلات سياسية أو إنجازات اقتصادية أو حدود دنيا من الأخلاق، لا بد أن يكون المصدر الوحيد لمشروعية بقائه هو إغراق الساحة بعشرات الأحزاب الوهمية واختيار بعضها وتلميعه كواجهة خطيرة للمعارضة الحداثية العلمانية ثم إصدار الاوامر لها بالانخراط في النظام!
لا بد أن يكون على رأس الليبراليين والديمقراطيين في البلد أمثال ميادة سوار الذهب التي ينتهي بها المقام في تحالفات مضحكة مبكية مع منبر الطيب مصطفى، ثم قبض ثمن الاشتراك في مسرحية”الحوار الوطني” وظيفة معتمد في ولاية الخرطوم ! ولا بد أن تكون الرموز الخطابية أيام حراك الشارع أمثال حسن طرحة! لأن هذه أفضل طريقة لابتذال العمل المعارض، ومن ثم بث اليأس والإحباط في نفوس الناس!
هذا المخطط الإجرامي يعمل في اتجاهين، الأول شل فاعلية الأحزاب بالتخريب الأمني مدفوع القيمة، والثاني هو إعدام فرص بروز البدائل الحقيقية وذلك عبر تفصيل بدائل ليبرالية وديمقراطية وعلمانية وماركسية مدجنة ومؤلفة جيوبها على مقاس “المؤتمر الوطني”!! وهذه البدائل قبل ان يستقر بها المقام في وزارة هامشية أو برلمان وهمي أو وظيفة مرموقة يكون النظام استغلها في اصطياد عدد من العصافير، فتارة يوظفها في خلق الانقسامات والتوترات لإعاقة أي تحالف سياسي ناجح ضد النظام، وتارة في الدفاع المبطن عن النظام من مواقع تزعم الاستقلالية بل وتدعي اللبرالية والعلمانية! وتارة يستخدمها “تمومة جرتق” في حكوماته الفاشلة واخيرا وبعد ان تستنفذ أغراضها في التخريب والتضليل والتشويش في صفوف خصوم النظام تعود أدراجها إلى البيت الإنقاذي بلا حياء!
فالخيانة العظمى التي ارتكبتها السيدة ميادة هي قبولها لهذا الدور المخزي في السياسة السودانية، واختيارها للاصطفاف مع أعداء الشعب السوداني ممثلين في عصابة الاستبداد والفساد المتمادية في التجويع والإذلال والقتل الجماعي والتخريب المنهجي لهذا الوطن المنكوب! أما قبولها بأن تكون زوجة ثانية أو حتى زوجة عاشرة للسيد حامد ممتاز فهذا مجرد مشهد صغير وثانوي في مسرحية المهزلة الكبرى التي ما زالت فصولها تتوالى في أكبر مسرح للعبث في تاريخ السودان!
وتأسيساً على ذلك يجب أن لا نقع في الفخ وننخرط في جدل حول موقع تعدد الزوجات من المشروع العلماني الليبرالي؛ لأن السيدة ميادة ببساطة شديدة لا علاقة لها بهذا المشروع فهي منخرطة في “المشروع الإنقاذي”، وتوجت انخراطها السياسي بانخراط اجتماعي!