الشفيع أحمد الشيخ
د. الهادي أحمد الشيخ طبيب العيون شقيق القيادي العمالي الأشهر الشفيع أحمد الشيخ رحمهما الله جميعا .. كانت والدتي تأخذني إليه في عيادته في صغري بين الحين والآخر لِما كنت أشكو منه من حساسية العين ورمدها.. كنت لابد أن أتأمل صورة ضخمة لشقيقه الشفيع في مدخل العيادة وأنا في تلك السن لا أعرف معنى الشفاعة فضلا عن نقابات العمال وقيادات الشيوعيين!! كنت اسأل أمي عن صاحب الصورة فترد عليّ باختصار يُزِّهد في قادم أسئلة ( ده أخوهو)!! وكنت لا أسأل بعدها فليست من عادتي منذ صغري أن أفرض نفسي سائلاً لزاهد في الكلام ولو كان هذا الزاهد أمي!! عذرت أمي من بعد واستبانت لي حكمتها فليس من الخير أن يُحدَّث الأطفال عن حوادث القتل وأخبار الاغتيال لا سيما والطفل متعلق بطبيبه هذا الذي يعالجه وهو عنده أكثر من مجرد طبيب كيف له أن يتصور تحمل أنَّ صاحب القلب الكبير هذا مُداوي العيون قد أطاق أنْ يقتل رجلٌ أخاه؟!
كان د. الهادي أحمد الشيخ يستقبلنا بترحاب كبير ويسأل عن والدي ثم يسأل عن صحتي وكل هذا في غير تكلف ولا تصنع.. كانت فيه هيبة الأستاذ المعلم وتواضع العالم العارف وعطف الوالد الحاني.. كانت أمي تشكوني إليه : ( الولد ده يا دكتور من ما يجي من المدرسة بجدع شنطتو ويطلع يلعب الكورة في الشارع ويجي عيونو هايجه من الحر والغبار) كانت تطمع أن ينتهرني لعلي انتهي لكنه كان يخذلها برده : ( لا هو لازم يلعب لكن)!! كانت تكرر الشكوى وكان رده هو الرد الذي كان يزيدني إليه قربا وبه إعجابا !!
مرت السنوات عرفت فيها الكثير أن النميري نفسه رحمه الله الذي كنت اسمع أنه قد سَجَن أبي هو نفسه الذي قتل الشفيع شقيق الهادي.. تعرفت فيها إلى الأحزاب السياسية وتاريخها وقياداتها.. في ذات مرة ونحن بالقرب من (استوب مكي) في أم درمان ومعي صاحب لي رأيت الأستاذ محمد إبراهيم نقد رحمه الله زعيم الحزب الشيوعي ..كان الرجل يقف في الشارع لوحده وشعرت به كمن يحتاج أنْ يسأل عن وصف مكان خاصة والرجل كان قد خرج عن قريب من عزلته المتطاولة لسنوات على طريقة العمل السري.. ما كان من الصعب عليّ أن أعرف وجهة الأستاذ فالذي توقعته قد كان.. كانت وجهته عيادة د. الهادي أحمد الشيخ _ شقيق رفيقه الشفيع_ التي كانت تقع غرب (استوب مكي). ذهبت وصاحبي مباشرة لأستاذ نقد نلقي عليه التحية فقابلنا مقابلة طيبة هو بها معروف سألناه عن وجهته فقال الذي توقعته ( بسأل عن عيادة دكتور الهادي) قلت له هذه العيادة أنا صلتي بها وثيقة من أيام طفولتي ثم وصفت له طريقها .. شكرني جدا وأعجبتني في الرجل بساطته في كل شيء .. الهندام .. السلام .. طريقة الكلام .. قبل أن نفترق قال له صاحبي ( نحنا اخوان مسلمين وعمر ده ود شيخ الحبر ) ما إن سمع أستاذ نقد عبارة صاحبي حتى أقبل عليَّ يسلم من جديد في عاطفة أبوية صادقة وروح سودانية خالصة بعيدة جدا عن مجاملات السياسيين الباردة ثم قال لي ( أبوك ده بختلف معانا وبنختلف معاهو لكن والله أنا بحبو وبحب اسمع ليهو برنامجو بتاع التفسير في الإذاعة) ودعنا أستاذ نقد مرة ثانية وأعاد هو شكره لنا مجددا وكأننا قدمنا له معروفا كبيرا وما ذاك إلا لكرمه لسماحة نفسه. ذلك اللقاء العابر معه أكَّد لي ما كنت أسمعه عنه من ثناء وفضل يشهد له به خصومه السماحة والبساطة والنزاهة واحترام الآخر المخالف .
لازال مثال الطبيب عندي أن يكون على طريقة د. الهادي أحمد الشيخ وضرورة وجود هذا المثال من ضرورة استقامة حياتنا المهنية .. ولازلت أرى أن صفات الأستاذ محمد إبراهيم نقد الشخصية _ لا أتكلم هنا عن المناهج الفكرية ولا عن المواقف السياسية _ صفات لازمة لاستعادة حياتنا السياسية عافيتها.
رحم الله الرجلين رحمة واسعة.
عمر الحبر يوسف نورالدايم