هل ذلك هو الهدوء الذي جسَّد غِلالته الحريرية العاصِفة الشاعر النَحْرِير عالم عباس، في قصيدته المُسماة: (صمت البراكين قبل انفجار الحِمم)، والتي عبَّرت عن واقع نعيشه حتى كادت أن تنطق.
إذ يقول في خواتيمها:
هدوءٌ..
تحسبه هدْأة الموت
لكنَّها الآزفة
ستتْبعُها الرادفة
فلا هجعت تلكمُ الأنفس الخائرات
ولا وهنت جذوةُ الرفض فينا
ولا نامت الأعينُ الخائفة.
أم أن ذلك من شِيم الخرطوم العاصمة التي لا تعرف الأسرار كما يقولون. وفي واقع الأمر لا نعني بالخرطوم الجغرافيا، بقدر ما نعني سايكولوجية الشخصية السودانية التي تتقاطع تماماً مع حُرمة الأسرار وكتمانها. وعلى كلٍ سواء هذا أو ذاك، فقد يبدو العنوان مثيراً للمتابعين عن كثب، ومنكوراً من قِبل الذين ضاقت عليهم مواعين السياسة بما رحبت، جراء تكلَّسَ رؤاهم إثر تمدد سنوات العُصبة وفجورها. وهؤلاء ينبغي ألا يطول ذهولهم، لأنهم يعلمون بحكم التجربة، إن المعلومات التي آثرنا أن ننثرها في الفضاء الطلق، منبعها مصادر ثقات جربناها مثنى وثلاث ورباع.. ولم تخذلنا، وبالتالي فمصداقيتها ليست موضع شك كما تعلم العُصبة الحاكمة نفسها. أما الذي تعلمونه أنتم ونعلمه نحن أيضاً، فإن هذه المعلومات تأتي في ظل ظروف بالغة الدقة، لا تحتمل الشطط في القول ولا الأماني العذبة في التحليل!
وإليكم معشر القراء خلاصة ما وصلني من مصادري وفقاً لتراتيبية الأحداث:
أولاً: قالت مصادري إن الأزمات التي تحاصر السُلطة الآن، ليست الأزمات الاقتصادية وحدها، إلا أن الأخيرة هذه وصلت حالة صفرية تهدد الدولة بالانهيار السريع. نسبة إلى أن الخزينة العامة أصبحت خاوية على عروشها، علاوة على أن النظام جنح للحلول (الترقيعية) وليست لها حلول منظورة في الأفق إلا عبر حلٍ واحدٍ مستعصٍ لن تقدم عليه العُصبة (سيأتي ذكره لاحقاً) وتشير إلى أن القائمين على أمر السُلطة الغاصبة (وقفوا كحمار الشيخ في العقبة) وأصبحوا ينتظرون المستحيل في أن تمطر السماء حلاً. بدليل أنه لم يظهر أحد منهم للناس منذ نشوب الأزمات ليحدثهم عن طبيعتها أو كيفية الخروج منها!
ثانياً: تشير المصادر إلى أن أزمة السيولة في البنوك مردها في الأساس لهجوم المتنفذين أو ما يُسموا (الدستوريين) على الأموال العامة (فيما يشبه خم الرماد) على حد توصيف المصادر. وأضحت بيوتهم وأماكن أخر بمثابة البنوك الحافظة لتلك الأموال، الأمر الذي أدى إلى تجفيف البنوك التجارية وتعسُرها.
ثالثاً: تضعضعت ثقة الرئيس المشير في كل من حوله، بخاصة الحرس القديم. وأصبح يدير الدولة وفق هواه دون الرجوع لأحدٍ منهم، كما كان يحدث أحياناً في ذي قبل، وفي هذا الشأن طلب أن يستمع لآراء نفر من الأكاديميين العاملين في الجامعات من غير المنتمين للإسلاميين، وذلك لمعرفة رؤيتهم في كيفية حل الأزمات الاقتصادية، وهؤلاء بدورهم ذكروا له حقائق صادمة، وكشفوا عن أن ستة بنوك انهارت فعلياً وأصبحت خارج الدائرة المصرفية للدولة، وأن البنوك الأخرى مهددة بذات المصير في فترة زمنية وجيزة.
رابعاً: في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه طرح جهاز الأمن أو (جهاز صلاح قوش) كما أصبح يُسمى في الدوائر الحاكمة، طرح على الرئيس المشير نفس الفكرة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان في الاعتقالات التي طالت الأمراء والشيوخ السعوديين، والذين أودعوا فندق ريتز كارلتون في الرياض. وقد لاقت هوى في نفس المشير، وذلك بهدف تجميع ما حصده بعض المفسدين بذرائع بدعة (فقه التحلل) ولكن الحملة توقفت أو تباطأت بأمر من الرئيس المشير نفسه، وذلك لسببين: الأول، أنها فشلت ولم تسهم في حل الأزمة كما توقع له قوش، ومن جهة أخرى خشي الرئيس المشير من أن تطال رؤوساً قريبة منه، وتوجسه من وصول طرف الخيط له إن امتد أمدها.
خامساً: أصبح الرئيس المشير متوجساً بالفعل من سيناريو (مفاصلة رمضان) الذي حدث في العام 1999 بين الإسلاميين، والذي أودى بعرَّاب الحركة الراحل حسن الترابي إلى غياهب السجن فيما بعد، لا سيَّما، وأن بعضهم بدأ يثير موضوع المحكمة الجنائية داخل الصوالين المُغلقة.
وفي هذا الإطار ذكرت المصادر أن اجتماعاً تمَّ مطلع شهر أغسطس قبيل اجتماع مجلس شورى المؤتمر الوطني، جمع بينه وبعض قيادات الحركة الإسلامية برئاسة الزبير أحمد الحسن، أثار فيه الرئيس المشير موضوع أموال الحركة الإسلامية، وطالب بعودة أموالها المُودعة في الخارج (وهو الخيار الذي قلنا عنه في البند الأول إنه مستحيل حدوثه، سواء من قِبل الحركة أو أموال أزلامها التي نهبوها).
وقال في الاجتماع المذكور عبارة مُزلزلة: (إن الطوفان لو حدث سيطالنا جميعاً). وسأل الرئيس المشير رئيس الحركة الزبير أحمد الحسن عن غيابها في مجريات الأحداث؟ فلم ينبس ببنت شفة. (وصفت المصادر الزبير بأنه رجل غرير لا حول له ولا قوة، وقليل الزاد في أمور السياسة). كما أن المعنيين الحقيقيين بالسؤال لم يكونوا من حاضري المشهد المذكور، بل هم الذين ظهروا في المؤتمر كمن حطَّ على رؤوسهم الطير!
سادساً: أكدت المصادر أن الرئيس المشير بدأ يتجه نحو تحويل الصراع والتوتر الخفي في أروقة السلطة إلى صراع بين الإسلاميين، أي بين المؤتمرين الوطني والشعبي، فيم يشبه إعادة لسيناريو (مفاصلة رمضان) التي جرى ذكرها أعلاه، ولكن بوقائع وملامح أخرى. وتلك خطوة كشفت عنها حدة الصراعات والملاسنات التي بدأت تظهر بين الفينة والأخرى بين كوادر النظام، وبدأت تتسع رويداً رويداً.
سابعاً: أكدت المصادر أن الرئيس المشير منذ أن بدأت الأزمة في الظهور، وفي ضوء ما ذكرنا آنفاً في النقطتين الثالثة والخامسة، أصبح لا يُعوّل على المؤتمر الوطني (حزب السلطة) وكذا الإسلاميين، إذ اتجه نحو تعزيز اعتماده على مثلث القوات المسلحة والأمن وقوات الدعم السريع، إلا أن المصادر نفسها أشارت إلى أن اهتمامه الأكبر بقوات الدعم السريع، انعكس سلباً على المؤسسة العسكرية وفقاً لما سيلي ذكره.
ثامناً: في سياق البند المذكور أعلاه، فوجئ البعض بإجراءات أمنية مشددة مساء يوم 7/8/2018 حيث أُغلقت كل الطرق المؤدية للقيادة العامة. ونسبة للتوتر الملحوظ في أوساط الشارع السوداني، روَّج البعض روايات شتى عبَرت الحدود الجغرافية، وتلقفتها بعض وسائل التواصل الاجتماعي، إذ ظنَّوا أن الحدث يرقى لمستوى انقلاب محتمل. لكنها روايات لم تصمد كثيراً، حيث أدرك الذين روجوا لها أن الرئيس المشير وزمرته ما زالوا على سدة السلطة، ولكن ظلَّ السؤال قائماً:
ما الذي حدث يومذاك؟
الذي حدث أن تململاً حدث في أوساط القيادات الوسيطة في القوات المسلحة بناءً على معلومات استخبارية. وفي ما يشبه الاستيثاق من نوايا الأركان الثلاثة التي ذكرناها بعاليه، دعا الرئيس المشير بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى اجتماع في القيادة العامة. حضره إلى جانبه الفريق بكري حسن صالح، والفريق أول عوض بن عوف وزير الدفاع، وأعضاء هيئة الأركان وقادة الأسلحة والوحدات المختلفة. تحدث المشير عن (الدور الرائد للقوات المسلحة وتضحياتها، وأفاد بأنه طلب من روسيا تحديث القوات المسلحة. وأكد بأنه تلقى تقارير استخباراتية عن “الرأي العام العسكري” السائد وهو بصدد معالجة بعض الأمور التي وردت، ولهذا رأى أن يجتمع معهم للتفاكر وإيجاد حلول ناجعة لتلك الاشكاليات).
ثمَّ تحدث بكري حسن صالح (وأمَّن على تأييد القوات المسلحة للرئيس المشير، وقال نريد أن نستمع لكافة الآراء وطرحها على الطاولة، لإيجاد الحلول لها كما قال الرئيس).
بعد ذلك أُعطيت الفرصة إلى اللواء قائد سلاح المدفعية فقال: (إن المشكلة في تاريخ القوات المسلحة بعد أي “اجتماع مناصحة” تطال بعض القادة الإحالة إلى المعاش)، وأعطى مثالاً لذلك باجتماع القيادات العسكرية مع جعفر نميري وعبد الماجد حامد خليل،
وتابع بقوله: (إن الحكومة محسوبة على جهتين: الحركة الإسلامية والقوات المسلحة. والحركة الإسلامية هي التي أفسدت الحياة السياسية في السودان، ثم أنبرت قيادتها بعد ذلك بالإساءة لك. أما الجهة الثانية وهي القوات المسلحة، فأنت يا سيادة الرئيس رغم وجودك معنا فقد ابتعدت عنها).
وواصل حديثه قائلاً: (يا سيادة الرئيس، إن أكثر من 5040 ضابط صف وجندي انتهت مدة خدمتهم ولم يجدد لهم، وأصبح الشعار العام داخل القوات المسلحة، إنه لن يُجدد لأمثالهم للأسباب التالية، والتي أطلعنا عليها من “تقرير الرأي العام الاستخباري”:
1- إن مرتباتهم لا تكفي للإيفاء بمتطلباتهم الحياتية في حدها الأدنى، مما دفع بعض ضباط الصف والجنود للعمل بمهن وأعمال إضافية، إلى جانب عملهم بالقوات المسلحة، رغم أن قانون القوات المسلحة يمنع ذلك منعاً باتاً.
2- أفراد جهاز الأمن أكثر تميزاً في الرواتب والحوافز.
3- الشعور العام لديهم أن قوات الدعم السريع قد حلَّت مكانهم في الدولة، رغم أن هناك سلوكيات مشينة تصدر من أفرادها، كالنهب والاغتصاب ومضايقة المواطنين والهجوم على الأسواق والمدن.
ثمَّ واصل توجيه حديثه للرئيس المشير بقوله: (نحن معك ولسنا ضدك، وقد أصبح التعويض للأفراد الذين انتهت مدتهم صعباً لإحجام المواطنين عن التقدم للتجنيد).
رد البشير بصورة مقتضبة بقوله: (نحن لن نحيل أي قائد إلى المعاش، وجئنا للتفاكر حول حل الإشكاليات، وشكراً للصراحة).
بعد ذلك تحدث بعض القادة الآخرين في نفس الإطار (وطالبوا بالعمل على إيقاف الحروب، والسيطرة على الفساد، وإيجاد حلول اقتصادية وسياسية تضمن استقرار الوطن والسلام المجتمعي، وكذلك طالبوا الارتفاع بمستوى التدريب والتأهيل للقوات المسلحة، وإيجاد حلول لإشكاليات قوات الدعم السريع، ورفع مستوى المرتبات والحوافز لترغيب المواطنين في التجنيد للقوات المسلحة).
رد المشير بعد انتهاء حديثهم بقوله: (إنه تلقي تقرير “الرأي العام الاستخباري” وإنزعج لما جاء فيه، لكنه سيتعامل مع التقرير وما جاء في الاجتماع تعاملاً ايجابياً، وسوف يوجه هيئة القيادة لعمل لجنة من القادة، لصياغة حلول للإشكاليات التي تمَّ عرضها خلال أسبوع من تاريخه. ونفى إنه ابتعد عن الجيش، وإنه سيتم إعادة تأهيل القوات المسلحة، وستكون هناك إصلاحات اقتصادية وسياسية في الفترة القادمة، وإنه يأمل كثيراً في أن تكون الجرعات شافية وكافية).
كما طلب من هيئة القيادة عقد اجتماع شهري له مع القيادات، وترتيب لقاء له مع الضباط وصف الضباط والجنود بالوحدات المختلفة.
هذا وقد استمر الاجتماع لحوالي ست ساعات متواصلة، بدأ بعد صلاة المغرب وحتى ما بعد منتصف الليل. وكانت الرسالة غير المباشرة موجهة للذين حضروا اجتماعات هيئة الشورى، الذي ورد ذكره وانعقد بعد هذا الاجتماع !
تاسعاً: تكاثرت الأزمات على السلطة، إذ أوردت المصادر ورطة النظام في حرب اليمن. وذكرت أن السلطة ترغب في سحب الجنود السودانيين، والذين بلغ تعدادهم حوالي عشرة آلاف جندي، لا سيَّما، بعد أن عكفت المملكة السعودية يديها عن مد النظام بمساعدات تخفف من عثراته. ولكن اتضح لها – أي المملكة – أن النظام لن يقدِّم على ذلك في الظروف الحالية، لأنه يستفيد بجزء من مرتبات هؤلاء في سداد مرتبات العاملين في داخل البلاد، كما أن هؤلاء الجنود إن عادوا، فسوف يشكلون عبئاً بمرتباتهم على الخزينة الخاوية أصلاً.
عاشراً: من جانب آخر، تفاقمت ورطة النظام بعد أن أوقف الاتحاد الأوروبي المساعدات المالية التي قدمها له على دفعات بهدف استخدامها في وقف ومحاصرة ظاهرة الاتجار بالبشر ووقف الهجرة العشوائية إلى أوروبا، وهي المهمة التي أوكلها النظام لقوات الدعم السريع. وجاء قرار الاتحاد الأوروبي بعد الانتقادات الشديدة، التي انهالت عليه من كل حدب وصوب، بسبب اتهامه بدعم نظام رئيسه متهم من قبل المحكمة الجنائية، وكذلك بسبب تورط قوات الدعم السريع في الممارسات الوحشية مع من تلقي عليهم القبض على الحدود.
حادي عشر: أوضحت المصادر ما رشح من مستجدات في الأزمات التي تحاصر النظام، إثر دخول أطراف إقليمية. وصححت بعض ما راج عن أن النظام تلقى عروضاً لحل أزماته المالية. إذ أكدت أن العرض خليجي الهوى وأمريكي الهوية. جاء العرض من قبل الولايات المتحدة للحليفين السعودي والإماراتي، وبدورهما طلبا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أجر المناولة باعتباره امتداد لهما داخل الحلف وللعلاقة بين البلدين. وذلك ما كشفت عنه تحركاته المكوكية التي بلغت ثلاثة رحلات الأولى رسمية في 19/7 والثانية خاطفة معلنة، والثالثة خافية غير معلنة. وعلمنا لاحقاً أن سامح شكري وزير الخارجية المصري واللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، قد حطا رحالهما لبعض الوقت في الخرطوم، وهما في طريقهما لزيارة أثيوبيا بداية الأسبوع الماضي.
ثاني عشر: غير أن المصادر صححت المعلومة الأهم في العرض ذي الهوى والهوية الثلاثية. إذ انتشرت المعلومة بطريقة خاطئة وفحواها أن دولة الإمارات وعدت بنحو خمسة مليار دولار مقابل ألا يترشح المشير البشير، ويتنازل لنائبه الفريق بكري حسن صالح. ولكن المصادر أكدت أن ذلك ليس صحيحاً، أذ أن الصحيح هو مطالبة النظام بفك ارتباطه كلياً مع الاسلاميين بسيناريو أشبه بما فعله جعفر نميري معهم قبيل انتفاضة أبريل 1985 (بغض النظر عن الفهم الخاطئ لطبيعة النظام) وهو العرض الذي وجد قبولاً من الفريق بكري حسن صالح وآخرين باتوا ينظرون للمليارات بعيني صقر، في حين أبدى الرئيس المشير تمنُّعاً، غير أن العرض ما يزال سارياً، بل جارياً على قدم وساق، بدليل ما رجحته المصادر في أنه سيكون ضمن أجندة زيارة بكري حسن صالح للقاهرة نهاية أغسطس الحالي، والتي تمت تغطيتها باجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين. والجدير بالذكر أنه على غير المألوف التقى بكري الرئيس السيسي، في الزيارة الثانية ضمن الثلاث زيارات المذكورة.
ثالث عشر: ولكن ما الذي دعا الولايات المتحدة لهذا العرض؟ واقع الأمر هذا هو العرض الثاني منها خلال عشر سنوات تقريباً، إذ سبق وعرضت على المملكة العربية السعودية استضافة الرئيس المشير في العام 2007 كفرصة أخيرة لعدم انفصال جنوب السودان، لكي يتسنى ترشيح سليفاكير ميارديت رئيساً في انتخابات نهاية الفترة الانتقالية، وهو اقتراح قدمته الحركة الشعبية للإدارة الأمريكية أصلاً، والتي بدورها أوكلت للمملكة السعودية مهمة القيام بذلك الدور. والذي رفضه الرئيس المشير، لأنه كان آنذاك يضع عيناً على أكبر صراع في الحركة الإسلامية بعد المفاصلة، وهو صراع علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع، أو ما أسميناه من قبل (صراع الضرب تحت الحزام).
قال المشير لطارحي المقترح، إذا تفاقم هذا الصراع فسوف يكون السبب في زعزعة الاستقرار في المنطقة، وبالتالي سينفصل الجنوب، وقال إن وجوده في السلطة يمنع تفاعل الصراع باعتبار أن الطرفين المذكورين مُجمعين على رئاسته أو كما قال، وقد سوَّق بالفعل هذا المنطق الذي انطلى على سامعيه. أما العرض الثاني – طبقاً للمصادر – فقد جاء نتيجة قراءة لواقع مستقبلي بدأ يتشكل بين منطقتي الخليج والقرن الأفريقي، وذلك برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والذي ستصبح فيه أثيوبيا دولة كبرى يناط بها حفظ استقرار المنطقة. بيد أنه لا نشاز في استراتيجية الحلف المحتمل إلا نظام الخرطوم بخلفيته الراسخة في الإرهاب والممعن في الأيدولوجيا، وهي الخلفية التي ظل يناور بها دول الخليج والولايات المتحدة مرة بالنفي وأخرى بالإثبات، في حين أكدت مجريات الوقائع ألا أحد منهم بمصدقه ولو تعلَّق بأستار الكعبة!
صفوة القول، تعضيداً لما أمدنا به مصادرنا في النقاط المتسلسلة أعلاه، فإن الواقع المعاش يؤكد أن نظام الأبالسة قد دخل (الكرنتينة) وأنه قد سقط فعلاً وليس قولاً، ليس بسبب الأزمات الحياتية والاقتصادية التي يعيشها المواطن السوداني، في الخبز والمحروقات وانعدام السيولة وشح الدواء وتدهور التعليم والمعيشة الضنك وفساد القيم والأخلاق والذمم، ولكن بسبب إهداره الكرامة السودانية. وسيعلم الناس آن عاجلاً أو آجلاً، إن النظام الذي يرونه أمام أعينهم الآن هو محض خيال مآته، يستند على منسأة سليمان – كما قلنا من قبل – وقد حرر شهادة وفاته بنفسه!
آخر الكلام: لابد من المحاسبة والديمقراطية وإن طال السفر !!