حاولت أن أجد طريقة للاتصال بسكرتارية (صندوق النقد الدولي)؛ لأنني سمعت مسؤولاً كبيراً في الدولة والمؤتمر الوطني يقول: “إن الصندوق الدولي أشاد باقتصاد السودان”، وقد قال المسؤول الكبير وبالصوت والصورة وبالحرف الواحد: “إن بعثة الصندوق التي التقاها قالت له عن الاقتصاد السوداني: (اقتصادكم غريب..ماشفنا زيو في العالم.. طلع منو بترول الجنوب سبعين تمانين في المية …اقتصاد محاصر.. وعليه عقوبات ومقاطعات لكنه اقتصاد ينمو ويزيد وينتج وكل المؤشرات إيجابية.. ما دهاكم ما وراء ذلك)”.
(تصفيق وتكبير)، ويواصل المسؤول الكبير: “قلت ليهم نحن بنؤمن بالله سبحانه وتعالى ختو دي في نظريتكم الاقتصادية وادرسوها.. ختو الاقتصاد السوداني دا في النظرية الاقتصادية العالمية.. التوكل على الله سبحانه وتعالى الذي بيده الغيث،وبيده الأمطار”…إلخ.
بطبيعة الحال لا أحد يماري في التوكل على الله، ولا في بركات السماء والأرض، وحكمة الخالق الذي ينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام. ولكني كنت مشغولاً بحالة الاقتصاد السوداني، وكنت أريد أن أستوثق من بعثة صندوق النقد الدولي عن حقيقة ما نقله المسؤول السوداني الكبير عن إشادات البعثة باقتصادنا (الذي ينمو ويزيد وينتج)، كما كنت أريد فعلاً أن أقف على حقيقة دهشة بعثة الصندوق من سر نمو اقتصادنا، وهل حقيقة إنهم (ما شافوا في العالم اقتصاد زيّو)؟ وماذا كان رد البعثة تجاه مطالبة المسؤول السوداني لهم بأن يضيفوا نظرية السودان الاقتصادية كما وضّحها لهم المسؤول السوداني إلى نظريات الاقتصاد العالمي!
لقد كان من المفيد جداً لو أتيحت لنا معرفة (حيثيات هذا الثناء) من صندوق النقد الدولي على الاقتصاد السوداني، وتأمين بعثته على أنه اقتصاد نام و(ناضر وزايد) كما أنه منتج؛ لأن مثل هذا التقييم من صندوق النقد الدولي يتح للدارسين والاقتصاديين السودانيين مجالاً طيباً يتعرّفون عبره على معايير قياسات الاقتصاد حتى لا يكون حالهم حال الشاعر على المساح الذي يقول على حنجرة أبو داوود (يا الناحلني هجرك.. وأنتَ ناضر وزايد)! والاقتصاد من الأمور الجادة، التي يجب أخذها بحقها فهي موارد ومداخيل ومدفوعات وإدخار ومديونيات وقروض ومال عام وصادر ووارد ومعيشة وقوة عملة وطنية، وبالنظر إلى ذلك لا بد أن هناك خللاً ما في النظر إلى معادلة الاقتصاد السوداني (النامي الزايد المنتج) في مقابل عدم شعور الناس بهذا النماء والزيادة والإنتاج! لأن الناس ببساطة تعلم ذلك من (أسعار الطماطم) وأحجام الرغيف وأسعار أنبوبة الغاز.. وهبوط الجنيه وعربدة الدولار.. وتكلفة الحج!
لا بد أن هناك (خللاً ما) في هذه المعادلة، ومن حقنا أن نطلب استفساراً من صندوق النقد الدولي عن سر إعجابه! ولكن “بصراحة النبي” كما يقول الإخوة المصريون.. فإن التوكل على الله فريضة دينية تدخل في باب الإيمان والإحسان، ولكنه ليس (نظرية اقتصادية) حتى نطالب صندوق النقد الدولي (بدراستها)، وإضافتها إلى النظريات الاقتصادية العالمية!! أما إذا شئنا أن نصفق ونهلل لبعضنا فذلك من الحريات التي كفلها الدستور.. حتى قبل التعديل.