الأدب من خصال الإنسان المسلم، وتفرض قواعد الأدب على المسلم أن يلزم الطريقة المرضية فيمن يتعامل معه، والمسلم له أدب مع ربه، وأدب مع نبيه صلى الله عليه وسلم، وأدب مع الناس، وأدب مع نفسه.
قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه “تأدبوا ثم تعلموا”. وحسن الأدب في الظاهر هو عنوان حسن الأدب في الباطن، إذا كنت تنطوي على تعظيم لله، وعلى احترام كبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وعلى إنصاف لخلقه، فإن هذا الشيء الباطني ينعكس إلى أدب ظاهري.
كثرت في الآونة الأخيرة الألفاظ الشاردة النافرة الصادرة من بعض المسؤولين لا يراعون فيها ما يلزم من أدب الخطاب، يدفعهم الجهل أحياناً، وسوء فهم أصول ومقاصد الدين أحياناً أخرى، وسكرة القوة ونشوة السلطة في معظم الأحيان.
وكان أكثر هذه الألفاظ صدماً للنفوس والذوق العام، وأحدثها قول رئيس اللجنة المالية والاقتصادية وشؤون المستهلك في المجلس التشريعي لولاية الخرطوم “من يقول إنه سيحارب الفقر يعني أنه سيحارب الله سبحانه وتعالى” ، كما لم يجد في نفسه حرجاً من القول إن الخليفة عمر بن الخطاب كان يتفقد ثلاثين بيتاً فقط (وفق إحصائياته) وليس ثمانية ملايين بيت.
غني عن القول أن الترويج للفقر باسم الدين افتراء على الخالق جل جلاله حتى لو كان ذلك الإفتراء بدافع الجهل، فليس هناك نص قرآني ولا هدي نبوي يدعوان الناس إلى الاستكانة للفقر والعدم.
والتطاول على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بتلك المقارنة الجاهلة ليس من الدين ولا من الأدب في شيء.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (كَانَ إِسْلامُ عُمَرَ فَتْحًا، وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ نَصْرًا، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ رَحْمَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى تَرَكُونَا فَصَلَّيْنَا).
سيدنا عمر صنفه المؤرخ المسيحي مايكل هارت كواحد من أعظم مئة شخصية في التاريخ، والتي تصدرها رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.
نفس التطاول والافتراء قد يكون بنعومة لفظية مخففة، ولكن المحصلة النهائية واحدة. كنت شاهداً قبل عدة سنوات على اصطياد أوائل ضحايا مشروع سندس في أحد فنادق مدينة الدمام، المملكة العربية السعودية، فبعد أن حصد عراب سندس بحديثه الجميل المنمق ما أراد من مدخرات ضحاياه، انتقل للحديث عن سيدنا يوسف عليه السلام، فشبه حال سيدنا يوسف عليه السلام بحال الإسلاميين في السودان، وقال: إن سيدنا يوسف عليه السلام خرج من السجن لكرسي الحكم في مصر، والإسلاميون أيضاً خرجوا من السجون لحكم السودان بعد أن مكن الله لهم مثلما مكن لسيدنا يوسف من قبل.
حلاوة لسان عراب سندس غيبت على مستمعيه آنذاك حقيقة وفداحة ما كان عراب سندس فيه من تطاول على نبي من أنبياء الله. ربما كانت حلاوة اللسان هذه هي التي أوقعت برجل أعمال عربي تعيس الحظ في براثن سندس، فتفرق دم الرجل بين سندس ومشروعات خائبة أخرى، ووجد نفسه في نهاية المطاف وحيداً بين مطرقة هذه الهلاميات وسندان الدائنين والمودعين في بلاده.
khamma46@yahoo.com