السيد معتز موسى أكمل أمس يومه الأول في المنصب الدستوري الرفيع، رئيس مجلس الوزراء القومي.. بعد إعلان حل حكومة “الوفاق الوطني” وتكليفه باختيار تشكيلة وزارية جديدة، وُصفت بأنّها رشيقة.. فما هي فرصه في أن يصبح رجل المرحلة؟
بالحساب المُجَرّد من الأماني السندسية، “مُعتز” يتسلّم حكومة مهما طال عُمرها فهي محدودة بـ(600) يوم فقط هي المسافة من يوم تنصيبه إلى ميقات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أبريل 2020.. وهي مُدّة زمنيّة أقرب للعب مباراة كرة قدم في ميدان (خماسيات).. محدود المساحة.. مهما بَرَعَ اللاعبون ولو هبطت عليهم موهبة “ميسي” فهي مُباراة على قدر الملعب لا على قدر اللاعبين!
يزيد من تعقيد المُهمّة – مُهمّة مُعتز – أنّ حدود صلاحيات المنصب كلها تقع تحت عنوان (تفويض رئاسي).. بعبارةٍ أخرى، لا يُحظى المنصب بسُلطات أصيلة.. ولربما هو أقرب إلى أن يكون المساعد رقم (6)، أو في أحسن الأحوال النائب رقم (3)..
ولكن مع ذلك في إمكان رئيس الوزراء الجديد أن يحرز الهدف الذهبي رغم أنف كل هذه المُحدّدات.. بشرطٍ واحدٍ!!
الشرط هو أن يعيد توصيف الأزمة السودانية بصُورةٍ حَقيقيّةٍ لا تُراعي المُواصفات والمَقاييس المُعتمدة حالياً من جانب حزب المؤتمر الوطني وحكومته.. فما أنكب البلاد الآن إلا الإمعان في حالة الإنكار السياسي، والإصرار على أن الوعكة السودانية ليست إلا نزلة برد طارئة من مَوجة رياح تَهب من خارج الحدود..
إذا اقتنع “مُعتز” (واستطاع أن يقنع الآخرين) بأنّها أزمةٌ سياسيّةٌ من الدرجة الأولى، وأنّ البلاد الآن بلغت الدرجة الرابعة في مرحلة الخطر.. وهي الدرجة القُصوى، فمن هنا يُمكن تَرسيم حُدود المَلعب وفق رؤيةٍ جديدةٍ تُراعي مصلحة السُّودان لا مصلحة الحركة.. مُستقبل الوطن لا الوطني..
وفق هذه القناعة، فإنّ المطلوب الأول هو فتح أبواب المُشاركة في صنع القرار الوطني بأوسع ما تَيسّرَ، ويبدأ ذلك بالالتزام – رُوحاً ونَصّاً – بالباب الثاني من الدستور واحترام حُقُوق الإنسان وحُرية التّعبير والعمل السِّياسي.
فرغم الحَديث المُتكرِّر عن مَخرجات الحِوار الوطني ومَا حَوته من “حُريات” إلا أنّ الواقع مُختلفٌ تماماً.. ورغم أنّ أصل ومبتدأ الأزمة مع المُجتمع الدولي هي حُقُوق الإنسان والحُريات، إلا أنّ الحكومة تصر على أن (تُصحِّح كراستها) بنفسها وتمنح نفسها الدرجة الكاملة في هذه المطلوبات الحتمية.. على نقيض التقارير الدولية التي تضع السُّودان دائماً في أدنى السلّم..
صَحيحٌ أنّ الحُريات دَواء مُر المَذاق، لكنه أكيد المفعول، والخيار بيد الحكومة إمّا أن تقبل بمرارة الدواء أو تُواجه مرارة الداء!!
وعلى قول نزار قباني (اني خيرتك فاختاري.. لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار)!!