بداية لابد من التنبيه إلى أن أثر وآثار برنامج القناة الألمانية دويتش فاليه – بالعربية – المثير للجدل (شباب توك) لن تكون مثل الأثر الذي يمحوه أثر جديد، إذا حدث حدث أو وقعت واقعة أخرى يمكن أن تسيطر على الوسائط والمجالس وحديث الناس.
أكاد أرى – مثل كثيرين – أن هذا البرنامج سيفتح أبواباً من الجحيم في مواجهة الذين أثاروا الفتنة وأشعلوا نيرانها، وأخشى – مثل غيري – أن تكون هذه هي البداية لعنف مجتمعي جديد يتصل بالدفاع عن الدين والعقيدة، بينما يرى البعض أنه تقييد لحرية الفكر والمعتقد والسلوك الشخصي، وهو العنف الذي يبدأ لفظياً ثم ينتهي عنفاً جسدياً بسبب مخاشنات ومدافعات ومواجهات محتملة، وهو ما يفتح الباب أمام شلالات من الدم لا يعرف أحد حجمها ولا عمقها ولا اتجاهاتها.
علينا أن نعترف بأن بعض شبابنا غادر محطة الإيمان، واستغل قاطرة الإلحاد، والتيارات الإلحادية الآن أصبحت ظاهرة عالمية، تسندها (جهة ما) أو (مراكز تطوير ذات) أو معاهد خاصة بـ(ترقية المفاهيم)، أو حاضنة أسرية أو مجتمعية تكون هي بداية الانحراف نحو الهاوية.
الطوائف المسيحية بمختلف مدارسها ومعتقداتها، واجهت من قبل ظاهرة الإلحاد الحديث، خاصة في أوربا، وبعد ظهور وتنامي الفكر الماركسي والنظرية الشيوعية، فبدأت مقاومة ذلك الفكر، ونشط دور المفكرين وكثير من الفلاسفة، نشأ علم (المدافعة)، وهو يقوم على أرضية التفكير النقدي ومقارعة الحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق، على اعتبار أن هذا هو الطريق القويم الذي يثبت الإيمان في القلوب مثلما يثبت حقائق الدين.
المؤسف حقاً أن المسلمين، أو بالأحرى علماء المسلمين كانوا هم أصحاب اليد الطولى في الفلسفة وتطوير الفكر الإنساني، فنجد مثلاً أثر الإمام الغزالي على “ديكارت” في منهج “الشك”، وعلى “ديفيد هيوم” في (السببية) وغيرهم، لكننا نجد أن هناك من اختطف هذا النهج ووظفه لتحقيق ما يهدم به أركان الإيمان في نفوس البعض، خاصة الشباب.
ننبه الآن إلى خطورة ما سيحدث مستقبلاً إن لم نتدارك الأمر بروية وحكمة، وعلى علمائنا ومشايخنا أن يحاولوا قدر الإمكان الابتعاد عن الخطاب التحريضي، وألا يتعاملوا بردة الفعل، لأن خطاب العالم لا يعادل خطاب الجاهل. علينا وعليهم أن نحمي شبابنا بـ(التي هي أحسن) لا بـ(التي هي أخشن). علينا أن ندعو إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة.. والله أعلم بالمهتدين.