(أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ) صدق الله العظيم
بينما المواطنون في السودان يعيشون حياتهم العادية، يكابدون غلاء الاسعار، وصعوبة المواصلات، وازمات الوقود، والخبز.. ويجتر الشباب مرارة العطالة، بعد عناء الدراسة، والتخرج من الجامعات، بمعدلات عالية، إذا بهم هذه الأيام، يتعرضون الى كارثة أخرى. فقد حدثت حملات من عدة عربات، محملة بمجموعات مسلحة، من قوات الدعم السريع، تهجم فجأة على الاحياء، وتبدأ، دون مقدمات، في ضرب المواطنين بالسياط والعصي، ومطاردة من يجري منهم داخل الاحياء، والقبض على الشباب، وجرهم بالارض الى هذه العربات، واستمرار ضربهم بالعصى، أثناء حركة السيارات. يصاحب هذه الإهانة، التي تتم دون أسباب، سيل من السباب المقذع للشاب أو الرجل، وأمه، وأبيه، دون أي يتهم بفعل أي مخالفة !! حدث هذا في الحاج يوسف، ودار السلام المغاربة، وسوبا شرق، والجريف شرق، والسوق الشعبي، وحي الهدى، والكلاكلات. ولقد جرت في بعض هذه المهاجمات (الحلاقة) القسرية، لشعر بعض الشبان، بأدوات صدئة، وغير معقمة، مما يعرض حياتهم للخطر.. ولم تكن مجرد ( حلاقة)، وإنما مصاحبة بسيل من الشتائم، والإهانات، والضرب والركل، بالأحذية العسكرية الغليظة.
إن (قوات الدعم السريع)، قوات عسكرية رسمية، تابعة لرئاسة الجمهورية، ولا يجوز لها أن تخرق الدستور، وتخالف القوانين، وتنفذ عقوبات على مواطنين، لم تصدر بها أحكاماً قضائية. هذا من حيث المبدأ القانوني، أما من حيث الدين، والاخلاق، وأعراف الشعب السوداني، فهذه ممارسات غاية في التدني والسوء .. فلا يمكن أن تعتدي على أي شخص، لم يرتكب أي جريمة .. وليس من حقك أن (تحلق) لشاب بالقوة، لأن مصادرتك لحريته، أعظم عند الله وعند الناس، من طول شعره .. أما أن تضرب الناس لأنك مسلح وهم عزل، أو لأنك محمي بسلطة عسكرية، وهم مواطنين مدنيين، فهذا تصرف جبان، لا يشبه أخلاق الشعب السوداني، التي يستنكف فيها الرجل الكريم، من ضرب الأعزل، أو المسالم الذي لا يستجيب للعنف !! ولكنه يشبه المرتزقة الجبناء، الذين توجههم فتافت العطاء، الذي يجود به عليهم النافذين من كبار (الحرامية) في حكومة الفساد، التي يديرها الاخوان المسلمون!! فهذه الممارسة عمل بربري، عشوائي، ينطوي على (بلطجة) و(فتونة) لا علاقة لها بالدين، أو مكارم الاخلاق.
و(قوات الدعم السريع) يصرف عليها من أموال الشعب، لتقوم مع القوات المسلحة، بحماية الوطن، ممن يرفع السلاح ضده، لا لتقوم بترويع المواطنين العزل، في الاحياء السكنية دون سبب !! وإذا كان ل(قوات الدعم السريع) فراغ، وليس لديها (متمردين) تحاربهم، فلماذا لا تذهب الى كسلا، وتشارك في إغاثة منكوبي الوباء، ونقلهم الى المستشفيات، وتوزيعهم عليها، والحفاظ على المدينة، من تسرب الوباء، الى المدن كافة الأخرى ؟!
إن حكومة الاخوان المسلمين موفقة في عدم التوفيق، وإلا فإنها لا تحتاج وهي تكابد فشلاً إضطرها الى تغيير بعض الوجوه، بما فيها مدير مكتب الرئيس، إلى إثارة الشعب، بهجمات (الجنجويد) على المواطنين الابرياء العزل، في الأحياء الشعبية، وهم لم يخرجوا بعد ضدها في مظاهرات !! ولو كان في الحكومة عقلاء أو في الحركة الإسلامية، التي تتحمل تاريخياً، كل هذه المفارقات ناصحين، لأوقفوا (الجنجويد) عن هذه (البلطجة) التي لن تخضع الشعب لهم، إلا ريثما يبتكر وسائل لمناهضتها .. لقد ذكر بعض الكتاب في وسائل التواصل الاجتماعي، بأن ما تقوم به (قوات الدعم السريع) أمر مقصود، ومخطط له، من قبل الحكومة لإرهاب الشعب، لأنها ستقوم برفع الأسعار مرة أخرى، وتريد أن تسوق الناس، بهذا الإذلال، الى الاستكانة حتى لا يستجيبوا الى الدعوة للخروج للشارع، عند زيادة الاسعار !! ولو صح هذا، فإنه لا ينفي عدم توفيق الحكومة، لأنها لو صبرت حتى خرج الناس في مظاهرات، ثم قامت بضربهم، لكان ذلك الأمر، على رفضه، ليس مستهجناً مثل الاعتداء على العزل، بلا سبب كما يحدث الآن .. أما الآن فإنها بهذا الفعل المشين، تدفع الشباب دفعاً الى ما لا نريده، وهو أن يتسلحوا بأي وسيلة، ليحموا أنفسهم وذويهم، مما يؤدي الى إنفلات الأمن، ووقوع ضحايا، وتصاعد حراك جماهيري، بالاضافة الى الاقتتال القبلي، الذي يجري الآن، دون أن تستطيع الحكومة و(قوات الدعم السريع) ايقافه، هذا الانفلات الأمني هو آخر ما تريده الحكومة، وقد تحرك العالم بمساءلات حقوق الانسان، والمحكمة الجنائية الدولية.
وأفراد قوات الدعم السريع و (حميدتي) نفسه، يجب أن يعلموا أن ما يقومون به، اليوم، في الأحياء الطرفية، عمل جبان، لا يشرف الرجل الكريم، وأن يعلموا أن حكومة الاخوان المسلمين، ليس لها أصدقاء دائمون، وإنما لها مصالح دائمة !! وهي كما تخلت عن موسى هلال، وسلطت عليه (حميدتي)، يمكن أن تتخلى عن (حميدتي)، وتقبضه، بواسطة بعض اتباعه، وتسجنه، ثم يكون المرتزق الجديد، رجل المرحلة الجديدة، ويكون (حميدتي) ضحيتها !! ولهذا خير لهم إلا يفقدوا الشعب، وألا ويعادونه لمجرد إرضاء النافذين في حكومة الاخوان المسلمين، فهؤلاء المواطنون أهلهم، وكثير من سكان هذه الأحياء الطرفية، نزحوا إليها من دارفور وجبال النوبة، فراراً من الحروب الجائرة، التي آثارتها الحكومة هناك .. فلا تتسلطوا عليهم، وتخلقوا معهم عداوات، دون موجب، حتى تثبتوا ولاءكم لحكومة الاخوان المسلمين، وهي وإن طالت الى زوال.
وعلى الشباب في الأحياء أن يصوروا هذه الاعتداءات، ويرسلوا صورها الى خارج السودان، ويكتبوا عنها في وسائل التواصل الاجتماعي ويجمعوا توقيعات لإدانتها حتى تتجمع بمستوى كاف، لرفع قضية دولية جديدة ضد حكومة الاخوان المسلمين، التي بدأت التطهير العرقي، وجرائم الحرب في دارفور، ثم ها هي تنقلها الى الخرطوم، في ظروف بالغة التعقيد، من حيث تعسر أوجه الحياة ومتطلباتها.