لقد كان قدري يوم أن سلحتنا الجامعة الإسلامية بفكرها في صيف 1975م ان أتوجه مباشرة لاتخذ من الطباشير سلاحاً .. وتفيأت رحاب المدارس وظلالها الوارفة برضاً وحب ..
واليَوم يَدفَعُنـي الحَنيـن لتلكم الأيام وذكرياتي فأعود أدراجي بلهفة إلى مدارس صواردة وسعدنفنتي ودنقلا وخور عمر ومعاهد التأهيل التربوي في دنقلا وأمدرمان والخرطوم وكسلا .. أعود إلى تلك الديار وَلهان مُضطَرِبـا.
ورحم الله التجاني ومعهده .. ورحم أولئك الأفذاذ الذين عشت بينهم مكرما .. أنهل من علمهم وخبرتهم وقبل ذلك ذوقهم وخلقهم التربوي .. إنهم حملة مشاعل المعرفة .. أستاذ عبد الفتاح .. محمد علي ( طلسم ).. محمد عثمان نكولا .. خالي عواض .. وبقية طيبة من العقد الفريد ..
أحيانا أتساءل ترى كم طالب قابلت فيما يزيد على الأربعين عاماً .. كنت ذات يوم في عشرة ونسة مع صديقي الأستاذ محمد عابدين في شقتنا بالرياض، فاستفزني جرس التلفون .. فقمت ساخطاً متبرماً، فإذا بالطرف الثاني أحدهم يقول ببساطة: أنا أحد من درس على يدك .. ونجحت وأنا اليوم طبيب في المملكة ولكني بعيد عن الرياض .. فقط أردت أن أسجل تقديري ومحبتي ومتأكد أنك نسيت اسمي.
لا اذكر من الذي أغلق التلفون على صاحبه.. ولكني أتذكر أني اضطربت كثيرا بعده .. ترى كم من طلابي يشعر أني أفدته .. وكم منهم من يشعر بغير ذلك .. عن امتناني لاساتذتي كتبت من قبل كثيرا بدءا بشيخينا عبد الرحمن بدري وابنه الشيخ أحمد .. اللهم إني أتذكرهم هذه الليلة في يوم المعلم وأسألك أن تتغمدهم برضوانك وعفوك وأن تنزلهم منازل العلماء العارفين وأولياء الله الصالحين ..