* ليس هنالك من سبب يدعو القناة الحكومية (سودانية 24) لإجراء حوار مع (حميدتى) قائد قوات الدعم السريع فى هذا التوقيت، يسترجع فيه أحداثا جرت قبل وقت طويل مثل طرد والى شمال كردفان (احمد هرون) لها من الولاية فى عام 2014 قبل أن تحصل على الصفة القانونية، وذلك لقيامها بعمليات نهب وسلب بالولاية وقتل احد المواطنين مما اثار عليها موجة عارمة من الغضب والمطالبة بطردها من الولاية، ومثل ثورة سبتمبر 2013 التى قدم فيها الشعب تضحيات جسام وكاد يعصف بالنظام الفاشيستى الفاسد لولا تخاذل بعض قادة الاحزاب، سوى القيام بمحاولة رخيصة ومفضوحة وسمجة وسخيفة لتخويف الشباب من اى تحرك احتجاجا على الظروف السيئة التى يعيشها الناس، وتذكيرهم بأن قوات الدعم السريع جاهزة للتصدى لهم، ولو أنكر قائدها المشاركة فى قمع وقتل المتظاهرين فى سبتمبر 2013 !!
* ولإظهار مدى قوة هذه القوات وسيطرتها على مفاصل السلطة، بل والإيحاء بأنها هى السلطة نفسها، يوجه قائدها الشتائم والانتقادات الحادة لوالٍ فى مثل حجم أحمد هرون (بالنسبة للنظام الحاكم)، ويطالب بسجنه باعتبار انه السبب وراء السمعة السيئة للقوات فى الشارع السودانى .. فإنما يقصد إرسال رسالة واضحة للجميع بمن فيهم أهل السلطة نفسه، أنه لا شخص يعلو عليه وعلى سلطته وقواته، لو كان بالذكاء الذى نتهمه أو يتهمه البعض به، غير أننى أستبعد ذلك، وأرجح أنه يؤدى دورا مرسوما له !!
* قد يتساءل البعض … لماذا اوقف جهاز الأمن برنامج (حال البلد) الذى إستضاف (حميدتى) وهو البرنامج الذى يقدمه مدير القناة واحد أكبر مؤيدى النظام الحاكم، والصديق المقرب لعمر البشير، إذا كان حميدتى والبرنامج الذى استضافه يؤديان مجرد دور مرسوم لهما .. والإجابة على هذا السؤال بسيطة جدا لدرجة أن البعض قد يظنها ساذجة ويسخر منها، وهى أن الجهاز يسعى بهذا الفعل لإستقطاب المزيد من الإهتمام الشعبى للبرنامج ونشر حديث حميدتى على أوسع نطاق، اما عودة البرنامج فهو امر مفروغ منه، حتى ولو استغرق غيابه بعض الوقت .. يأخذ فيه المقدم (إستراحة محارب) خاصة مع كثرة البرامج التى يقدمها !!
* وأنتهز فرصة إيقاف البرنامج لأذكر معلومة قد يندهش لها الكثيرون، ولا يعرفها سوى قلة، معظمهم من العاملين فى مجال الصحافة فى بلادنا، وهى أن السلطات تلجأ فى كثير من الأحيان لمصادرة صحف موالية أو تابعة للحكومة بل تابعة لها هى نفسها، ليس بسبب الغضب منها أو محاولة تكميمها ــ كما يعتقد البعض ــ وإنما لنفى تهمة الإنتماء الحكومى عنها وإعطائها بعض البريق لدى الناس، بغرض إجتذابهم إليها حتى تستطيع منافسة الصحف الحرة التى تسيطر على السوق، وهو ما يسبب الكثير من القلق للحكومة ولكنها تحجم عن إيقافها بشكل نهائى حتى لا تبدو متناقضة مع حديثها الزائف الممجوج بوقوفها مع الحريات الصحفية، وتنأى عن إستعداء المنظمات الحقوقية العالمية عليها خاصة المهتمة بحرية التعبير، لما لها من تأثير قوى على حكومات الدول الغربية، فى وقت تسعى فيه لفتح باب التفاوض مع أمريكا وسعيها لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتوسيع التعاون مع دول الإتحاد الأوروبى فى مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر، وهما موضوعان تؤثر عليهما بشدة الاحداث التى تقع فى السودان خاصة المتعلقة بحقوق الانسان .. ليس لاهتمام تلك الدول بحقوق الانسان السودانى ولكن خجلا وخوفا من صحافتها ومنظماتها الحقوقية .. أخيرا قد لا يصدق الكثيرون أن (بعض) الصحف تتلقى تعويضات مالية عن اعدادها التى تصادر!!
* فى كتابه (السودان، جنوب السودان، ودارفور) الذى صدر باللغة الإنجليزية عن دار أكسفورد للنشر قبل بضعة أعوام، أشار المبعوث الأمريكى السابق للسودان، والرئيس السابق للوكالة الأمريكية للتنمية (المعونة الأمريكية) (اندرو ناتسيوس) الذى يلم بكل صغيرة وكبيرة عن السودان، الى خطورة استعاضة الحكومة السودانية بالمليشيات القبلية عن الجيش، لإفتقادها لعقيدة عسكرية وطنية تصب فى مصلحة البلاد، وعدم إنتمائها لجهة أو شخص سوى المال، “ومتى ما عجزت الحكومة عن دفع رواتبها فإنها لن تتورع عن إحداث فوضى عارمة ثكون الحكومة أولى ضحاياها” إنتهى الحديث .. وهو ما يفسر الضغط الشديد الذى تمارسه الحكومة على الشعب إيفاءً لاستحقاقات هذه المليشيا، والدفع بها فى الحروب الإقليمية لجلب المال، والصمت المطبق الذى تمارسه إزاء أفعالها الوحشية والتصريحات المتفلتة لقائدها !!
الجريدة