أعلن والى الولاية الشمالية ياسر يوسف السبت الماضي جاهزية حزبه لعملية البناء الحزبي في الولاية الشمالية، مؤكداً أن حزبه على قلب رجل واحد، جاء ذلك خلال مخاطبته اللقاء التفاكري لهياكل أمانة الشمال بقطاع الاتصال التنظيمي بقاعة الشهيد الزبير.
وفى الوقت ذاته، أقر بوجود رسائل سلبية بمواقع التواصل الاجتماعي وصفها بالضخمة، قائلاً إن معظمها من أشخاص بالخارج تستهدف “مشروعهم ووجودهم” داعياً إلى مقاومة تلك الرسائل التي وصفها بـ”السلبية بتحقيق الرضا”.
جانب الوالي الصواب في تصريحه الذي ينم عن جهل بطبيعة المنطقة، وتركيبتها، وثقافتها، والعلاقات الإنسانية والمصيرية، والمصير المشترك الذى يربط بين أهل الولاية سواء أكانوا بداخل الوطن أو في المهاجر، إلى جانب إغفال الدور الكبير الذى يؤديه المهاجرون.
وبافتراضنا جدلاً بأن معظم الآراء التي تنتقد أداء الحزب أو الحكومة، التي سماها بالسالبة مصدرها المهجريون، ما كان يجب أن يفوت على فطنته أن هؤلاء مواطنون لهم كامل الحقوق والواجبات، بما في ذلك حرية الرأي والتعبير، وأن آراءهم يجب أن تكون محل تقدير واهتمام لديه بدلاً من تسفيهها، والضجر منها.
كما كان يجب ألا يفوت عليه بأن من هم بالخارج من أبناء الولاية غادروها بحثاً عن الرزق في بلاد الله الواسعة؛ لأسباب راوحت بين ضيق المعايش، والضغوط الاقتصادية، والإقصاء السياسي، وسياسة التمكين، وتكميم الأفواه الذي ظل يمارسه حزبه طوال السنوات الماضية، ولا نذهب بعيداً فالمثال الحي والحاضر هو طلب سيادته ضرورة مقاومة هذه الآراء؛ لأنها تستهدف مشروعهم.
إن من يريد سعادة الوالي مقاومة رأيهم هم أولئك الذين تحملوا العبء الأكبر في توفير معايش الناس، والمساهمة الكبيرة والأساسية في الخدمات من صحة وتعليم وتوفير مياه الشرب، والتنمية في الولاية في الوقت الذي عجزت فيها الحكومة عن تحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين.
المهاجرون من أبناء الولاية أينما اجتمعوا عرفوا بوحدة الكلمة، ولديهم دستور غير مكتوب ورثوه عن الرواد الأوائل من الآباء والأجداد الذين بدؤوا الهجرة قبل أكثر من قرن، وكانوا خير سفراء للوطن، إذ سبق وجودهم قيام السفارات الرسمية، فعلى سبيل المثال كان دكان العم عثمان محمد إدريس بحي الغرابي بمدينة الرياض يمثل سفارة بلادنا، في الوقت الذى كان فيه منزل ومطعم العم ساتي صالح بباب شريف بجدة هي سفارتنا في المنطقة الغربية وأمثالهما كثر، وظلت أبواب هؤلاء مفتوحة لكل أهل السودان.
إن أبناء الولاية لم يتوانوا لحظة في التواصل والتراحم وتحقيق التكافل وتقديم العون للأهل وللمحتاجين والضعفاء في السودان، واستطاعوا بصدقهم وإخلاصهم وأمانتهم ونبلهم من بناء جسور المحبة وخلق علاقات طيبة وحميمة مع البلدان المضيفة على المستويين الرسمي والشعبي.
إن أبناء الولاية في المهجر على درجة عالية من الوعي، ويفرقون بين الموقف السياسي الحزبي والواجب الوطني، وملتزمون بأدب الحوار واحترام الرأي الآخر، والخضوع لرأي الجماعة؛ لذا ظلوا خلال عملهم في الروابط والجمعيات والجاليات بعيدين من إقحام الصراعات السياسية والجهوية والمناطقية الضيقة في سبيل خدمة الأهل والأهداف العليا، وكان هذا هو دوماً سر نجاحاتهم.
مهلاً أيها الوالي إن كنت تبحث عن نجاح فلا تجعل سلاحك مقاومة الرأي الآخر، وأرى أن الآراء التي وصفتها بالسالبة هي في أغلب الأحيان أصدق واقوم من رأي وحديث كثيرين حولك من حارقي البخور وأصحاب الأجندة ممن تتوهم فيهم صدقاً أو التزاماً.
أما قولك إن حزبكم في الولاية على قلب رجل واحد، وما ذكره الأمين السياسي لحزبكم بأن السلطة وسيلة تتعبدون بها لله سبحانه وتعالى، ففيهما ما يثير الدهشة والاستغراب لكل من القى السمع وهو شهيد.