اطلعت عرضاً على صورة رسالة موجهة إلى السيدة وزيرة الضمان والتنمية الاجتماعية، في هذا الشهر المرتبط في الوجدان الجمعي بذكرى ثورة أكتوبر، من رئيس لجنة سودانية مشتركة مع بلد غربي تعنى بتطوير العلاقات بين البلدين..أي بين السودان وذلك البلد الغربي.
تسوق الرسالة في بدايتها التهنئة للسيدة الوزيرة بمنصبها الوزاري قبل أن ينتقل مرسلها إلى الأأمر المهم الذي هو، حسب وصفه، ” منظر (الشحاتين) وحملهم لأطفالهم حتى ساعات متأخرة من الليل والصباح الباكر ويطرقون ،أي (الشحاتين)، على نوافذ السيارات بصورة مزعجة امتعض منها كل من شاهدها”.
ويمضي كاتب الرسالة ليقول: “إن صورة (الشحاتين) الذين يحملون أطفالهم “تعكس عدم أمان في طرق العاصمة خاصة إذا تم توثيقها وبثها في مواقع التواصل أو الفضائيات التي تتناول أخبار السودان بصورة سالبة”.
في ختام الرسالة طلب كاتب الرسالة أن تولي السيدة الوزيرة الأمر اهتمامها الشخصي.
أفترض أن مرسل الرسالة، رغم ركاكة الكلمات، على قدر من المعرفة، وله صلات داخل الحدود وخارجها، وأنه ربما يحمل جنسية ذلك البلد الغربي بجانب جنسيته السودانية. تجاوز الرجل جذور المشكلة إلى ظواهرها. الفقر بكل تداعياته لم يأت من فراغ، وهو الذي يؤدي إلى انتشار (الشحاتين) مع أطفالهم في طرقات الخرطوم يعكرون صفو أصحاب السيارات، ويلحون في السؤال.
المنظر لا يعكس حالة عدم الامان بقدر ما يعكس حالة الفقر والخلل في توزيع الثروة، والفجوة الكبيرة التي تفصل بين من يملكون كل شيء ويزداد ثراءهم يوماً بعد يوم وبين من لا يملكون قوت يومهم ويقهرهم ذل الحاجة يوماً بعد يوم.
منظر (الشحاتين) ليس بدعة في الخرطوم، ولكنه مألوف في كثير من بلدان العالم التي تعيش مجتمعاتها ظروف مجتمعنا نفسها. هو منظر قبيح ومحزن معاً، ولكنه لا يعكس إحساسا بعدم الأمان بقدر ما تعكسه السيارات المسلحة مجهولة الهوية التي تروع الآمنين في دروب خرطوم. منظر (الشحاتين) تم توثيقه بالصور مثلما وثق من قبل ويوثق بشكل مستمر بالصور تردي صحة البيئة، وتجاوزات الشرطة عموماً، وشرطة النظام العام بوجه خاص، وكافة مظاهر الانفلات الأمني، ويتواصل تداول هذه الصور منذ سنوات على وسائط التواصل الاجتماعي بل وجد بعضها الطريق إلى القنوات التلفزيونية. لا جديد في الأمر.
كلمة(الشحاتين) التي وردت في الرسالة أكثر من مرة كلمة قبيحة قاصرة، ومع ذلك لم يطرح صاحب الرسالة رؤية إنسانية أو حلاً عملياً لمشكلة (الشحاتين)، تشارك فيه الجمعية التي يرأسها بمساعدة جهات خيرية وإنسانية محلية وخارجية على سبيل المثال، وهو يعلم تماماً أن المشكلة أكبر من قدرة وصلاحية ورؤية السيدة الوزيرة إلا إذا كان في يدور في ذهنه الحل الأمني القاصر تقوم الشرطة بموجبه بمطاردة (الشحاتين)، وشحنهم في شاحنات وإلقائهم خارج حدود المدينة، ليسوقهم قهر الحاجة من جديد إلى الأمكنة نفسها، وممارسة التسول، وحتى هذه المعالجة القاصرة هي أيضاً خارج اهتمام السيدة الوزيرة.
لربما كانت الرسالة المذكورة مجرد فعل علاقات عامة لتكون مدخلاً، وإن كانت تنقصه الكياسة، للتواصل مع السيدة الوزيرة.
بصراحة لم أجد في الرسالة ما يدعو إلى الاحترام.
khamma46@yahoo.com