مع كل تدنٍ في قيمة العملة الوطنية ترتفع الأسعار، ولا يقتصر الارتفاع على سلع دون أخرى، ولأن السودان يعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد فإن تراجع العملة الوطنية مقابل الدولار ينعكس على كل السلع.
وكل زيادة تقابلها زيادة، المشتغلون في السوق والأعمال الحرة ربما يكون ضررهم من ارتفاع الأسعار أقل درجة من الذين يعملون في الوظائف، الموظفون والعمال الذين يتلقون رواتب شهرية هم أكثر الفئات ضرراً من ارتفاع الأسعار. السوق في زيادة مستمرة بينما المرتبات ثابتة.
أمس نقلت عدد من الصحف عن رئيس المجلس الأعلى للأجور شكواه من وجود فجوة كبيرة بين نفقات المعيشة والحد الأدنى للأجور البالغ 424 جنيهاً.. وتحدث الرجل عن تفاوت حاد بين الأجور نتيجة المحسوبية ضارباً مثلاً بأن بعض موظفي الدرجة الوظيفية التاسعة يحصلون على راتب أكبر مما يتقاضاه وكيل الوزارة.
منتصف 2017، نُشرت دراسة عن الحد الأدنى للأجور ومقارنته بتكاليف المعيشة، الدراسة أكدت أن الحد الأدنى للأجور في السودان يغطي فقط (7.3%) من احتياجات أسرة تتكون من (5) أفراد، الدراسة الصادرة من مكتب النقابات المركزي للحزب الشيوعي حددت تكلفة المعيشة في حدها الأدنى بـ 5900 جنيه سوداني.. بينما الحد الأدنى للأجور لا يزال (425) جنيهاً.
ذكرت الدراسة وقتذاك أن الـ (7.3%) التي يغطيها الحد الأدنى لا تشمل الصرف على بنود مثل (الأثاث، الصيانة، الاتصالات ومصاريف الأعياد).. أي أن بنود الصرف انحصرت فقط، في الحد الأدنى من المعيشة بمعناه المجرد (أكل، شرب، تعليم وعلاج).
في وقت سابق أعلن الجهاز المركزي للإحصاء، تدني عدد الفقراء بالبلاد إلى 28% خلال عام 2016م، لكن الأمم المتحدة أعلنت قبل ذلك أن عدد السودانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر بلغ 50%، بمعنى أن نصف الشعب فقير.
هذه الدراسات كانت قبل عام، الآن الوضع لم يعد بحاجة إلى كثير شرح وحشد أدلة، وتكاد الطبقات التي لم تتأثر بالوضع الاقتصادي في وقت مضى باتت الآن تتأثر.. هذا كله محل إجماع، لكن ما الذي يُمكن فعله لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه أو لتفادي الهاوية ولو بدرجة واحدة.
قطاعات مهمة أوقفت نشاطها وقطاعات خرجت تماماً من الإنتاج، وبعضهم أوقف عمليات البيع والشراء حتى يستقر الجنيه.
السياسات التي ظلت تعلنها الحكومة على التوالي لم تقدم حلاً سوى ملأ الإعلام بالضجيج بينما الواقع لا يُطاق.. الآن الجميع وصل لتشخيص للأزمة لكن يبقى الحل بحاجة إلى المزيد من الشجاعة لكتابة “الروشتة” الأخيرة.