انحاز كثيراً إلى كرة القدم؛ لكونها اللعبة الشعبية الأولى التي تلتف حولها قلوب الملايين، وهي وسيلة لتحقيق جملة من الأهداف.
وأعتقد أن دولة الإمارات العربية المتحدة من أكثر الدول العربية التي تعرف قيمة كرة القدم، وتستثمرها في تفعيل الدبلوماسية الشعبية، التي تمثل كرة القدم من أهم وسائلها، وها هي تحتضن مناسبات تراها مهمة في مد الجسور بينها وبين شقيقاتها من الدول العربية، ولعل استضافتها السوبر المصري أكثر من مرة، وبعض المباريات التي يكون طرفها فرق عالمية دليل على هذه الرؤية المتقدمة لقيمة كرة القدم في تعزيز العلاقات بين الشعوب.
ومثلت المبادرة الإماراتية بإقامة الكلاسيكو السوداني على أرضها لجمع قطبي كرة القدم السوداني (الهلال والمريخ) دليلاً على هذا الإدراك الواعي، وترجمته واقعاً.
ولم يأت اختيار اللجنة المنظمة لقطبي السودان من فراغ، وإنما من خلال رؤية فاحصة أوضحت عمق علاقات البلدين، وحب السودانيين للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بوصفه رمزاً شامخاً للقيادة العربية الرشيدة، وعشق السودانيين لكرة القدم، وقيمة الفريقين على الرغم من الظروف غير المواتية.
وبرز الإعلام بوصفه عنصراً رئيساً في صناعة كرة القدم، وهو لا يكتفي بإلقاء الضوء على هذه الصناعة ومفرداتها، وإنما يعد وسيلة لتحقيق المزيد من المعرفة بالشعوب، بكل إرثها الحضاري، وواقعها المعيش، إضافة إلى نقل نبض الشعوب، وما تكنه من مشاعر صادقة لبعضها، بعيداً من الرسميات.
وقدمت أبو ظبي الرياضية بقيادة المايسترو يعقوب السعدي درساً بليغاً في حسن الإعداد والإخراج، والمذاكرة الجيدة التي انعكست في مستوى ما قدمت من برامج.
كان الكلاسيكو ترويجاً سياحياً للسودان، وإبرازاً لمقوماته السياحية، التي لا تحتاج إلا إلى القليل من الجهد من دون التحجج بالإمكانيات.
كان شكر يعقوب لفريق الإعداد والاعتراف بما بذله من جهد يدل على أن الإعلام عمل جماعي، لا نجاح فيه إلا بروح الفريق. وقد ذكر بكل تقدير اثنين من السودانيين أسهما في إعداد التقارير العميقة عن السودان وتاريخه وتراثه، ومسيرة كرة القدم، وجهد أبنائه في نشرها عربياً وقارياً، مع ذكر رموزه على امتداد الأجيال.
وهذا الإطراء على الإعلامي السوداني نجده في كل الدول، وهو يثبت أن هذا الأداء غير المرضي الذي نجده من إعلامنا سببه تغييب الكفاءات، والاعتماد على أهل الولاء، وهذا يجعلنا عاجزين عن تقديم بلدنا بالشكل الذي يستحقه.
والجمهور الرياضي السوداني الجميل وهو يردد نشيد الإمارات الشقيقة أبرز معدن الشعب السوداني الذي يبادل من يعيش بينهم المحبة، ويؤكد دوماً أنه من أوفى الشعوب.
ولعل هذا التفاعل السوداني مع مئوية الشيخ زايد يؤكد أن لدول الخليج قوة ناعمة تتمثل فيمن عاشوا فيها من أمم الأرض، وارتبطوا بها وخبروها بعمق، ولا شك أن كثيرين منهم سرت فيهم محبتها، ونقلوها إلى أبنائه، الذين ولد وترعرع كثيرون منهم فيها، بل أصبح بينهم من هم أكثر ميلاً إليها من أوطانهم.
وتبدو الإمارات واعية بهذه الحقيقة، وهي ماضية في تلمس السبل لتفعليها في بناء علاقاتها، واستثمارها بما يجعلها تتبوأ مكانة كبيرة، ولا شك أنها تستلهم في هذا الاتجاه حكمة المؤسس الشيخ زايد، رحمه الله.
نقول شكراً للفريقين اللذين استثمرا المناسبة، وقدما صورة جميلة عن كرة القدم السودانية على الرغم من عثراتها، كما نشكر للجمهور الرياضي الذي أبرز معدن الإنسان السوداني بسلوكه الحضاري، ووفائه لبلد شقيق، والتحية للإعلام الإماراتي الذي أبدى تقديراً عالياً للسودان، واجتهد في التعريف بكثير من كنوزه الثمينة في إطار المناسبة.