لاحظ المواطنون السودانيون تدهور الأحوال الأمنية وانتشار العصابات المسلحة ليس فى دارفور وكردفان والنيل الأزرق فحسب، وإنما فى وسط البلاد، فقد تداولت الوسائط ظهور عصابات مسلحة فى ولاية النيل الأبيض، وهى تمتطى الدراجات الهوائية، وتقطع الطرق، وتعترض المسافرين، وتعتدي عليهم بالأسلحة النارية، وتؤذيهم، ثم تنهب ما معهم، وتلوذ بالفرار.
وهذا كله ليس غريباً أو مستغرباً فى دولة الكيزان،؛ بل هو بداية النهاية الحتمية لأحوال دولة تحكمها عصابة، وليس مستغرباً أن تنتهى هذه الدولة إلى مجموعة من العصابات المسلحة التى تعتدى على بعضها بعضاً فى اطار الصراع على امتلاك القوة والمال والجاه.. كما يقولون: الناس على دين ملوكهم (حكامهم).
نظام الحكم قام على مفهوم الحاكمية المطلقة للحاكم، وبناءً عليه، فقد فقدت كل المؤسسات قدرتها على القيام بمسؤولياتها وفق النظم المتوارثة والمعمول بها، وأصبحت كل النظم كلها بلا استثناء وكل المؤسسات تحت إرادة الحاكم، ووفق توجيهاته بلا أدنى مرجعية متفق عليها إلا تقديره هو؛ ولذلك ذهب العدل، وعمّ الفساد، وانتهى دور الدولة ومؤسساتها، وكل النظم الأمنية والحقوقية، وأصبح كل أمر تحت رحمة القائم بأمره؛ ولذلك ليس مستغرباً بروز ظاهرة العصابات كمظهر حقيقى لهذا المشهد التراجيدى.
والمتابع للمشهد على مسرح الوطن يمكنه بكل سهولة التمييز بأن هناك عصابة عليا بسلطات مطلقة يمثلها البشير وأسرته وأصهارهم، ومن بقي معهم من الكيزان، وبعض العناصر الفاسدة، إضافة إلى عدد من المتعطلين رخيصى الذمم من سواقط الأحزاب السياسية.
هذه العصابة العليا والأقوى قد أهملت واجباتها ومسؤولياتها وانشغلت بجمع المال الحرام، وتكديسه، واهتمت بملاهى الحياه بعد أن دمرت الدولة، وحطمت دينامية نظامها، وجعلت كل مؤسساتها جزراً معزولة، وقضت عليها تماما بمعولى الفساد والإهمال.
هذه العصابة أهملت عمداً مؤسسة الجيش لتأمن خروج الجيش عليها، وسلمت كل مسؤوليات الجيش الى عصابة من قطاع الطرق، وأهل السوابق الجنائية ممن ليس لهم عقيدة دينية أو وطنية، وإنما يعملون بمقابل ووفق مفاهيم عرقية متخلفة.
عصابة الرئيس نهبت الدولة كلها، وسخرت كل النظم والقوانين والإجراءات فيها لمصلحتها، حتى أصبحت فوق كل قانون وأى اجراء. فهى تستورد وتصدر دون أن تدفع الضرائب أو الجمارك، وتبيع وتشتري من أي مواطن بالثمن الذى يرضي نهمها للمال، وهى تحتكر وتبيع وقتما تريد، وتستثمر في الأزمات حتى ان الوطن كله أصبح سوقاً لها وحدها.
هذه العصابة الآن فى وادٍ اخر تنعم برغد العيش داخل الوطن، وبالرحلات إلى الخارج إلى أجمل الدول والمواقع السياحية، والشعب كله فى وادٍ، يرزح فى المعاناة، ويلهث من اجل تأمين أبسط الاحتياجات من مأكل ومشرب وعلاج.
ليس أمام الشعب خيار آخر غير الخروج على هذه العصابة الفاسدة فى نفسها، والمفسدة لغيرها، ودك حصونها من أجل إعادة النظام وحكم القانون وإعادة الدولة، ومن أجل تأمين حقوق الناس العامة، وإعادة المال المنهوب الى خزينة الدولة، ومحاكمة الفاسدين والمجرمين، ومن أجل إعادة الحاكمية للدولة، وتمكين كل مؤسسة بالدولة من القيام بما يليها من مهام؛ وفق القوانين والنظم فى الدولة السودانية.
هذا النظام ليس فاسداً فحسب، وإنما هو قائم على الفساد، ولن تصلح معه أى مساعٍ للإصلاح، ولا يجب أن ينتظر الشعب أي فرصة للإصلاح سواء جيئ بمعتز او مبتز او أي مستفذ آخر طالما انو رأس الفساد قائم وان مفهوم الحاكمية هو المتحكم فى كل احول الوطن..
إن ذهاب هذا النظام بكامل هيئته وكل رموزه وكل مفاهيمه المتخلفة، هو الشرط الوحيد الباقى لإخراج الوطن من مرحلة الفوضى التى تنذر بها قرائن الأحوال المشاهدة اليوم..