حملت لنا أحد مواقع التواصل الاجتماعي خبراً مفاده أن هناك عدداً لا يستهان بهم من الأطفال صغار السن يتم استغلالهم بالعمل في مواقع التعدين بالولاية الشمالية، مقابل مبالغ زهيدة يظنها هؤلاء الصغار الأبرياء في مخيلتهم مبلغاً كبيراً.
وقد نبه من نقل الخبر لكارثية الأمر من جانبين: الأول أن عمل الطفل في حد ذاته كارثة، والأمر الآخر: أن تلك المناطق موبوءة بعديمي الضمير والإنسانية من الاستغلاليين ومروجي الخمور والمخدرات ومتعاطيها.
وقد علق على الخبر أحدهم بأن الأمر تحول إلى تجارة رائجة، وأن هناك أكثر من خمسين طفلاً من قرية واحدة ذكرها بالاسم يعملون في تلك المناطق، ولديه الدليل على ذلك، وأنه سبق أن قدم احتجاجاً ضد هذه الممارسات التي لم تجد أذناً صاغية، وذلك دون أن يحدد الجهة التي احتج لديها.
مبادئ الإسلام الحنيف الثابتة بالقرآن والسنة، ومقتضيات الديانات السماوية والحضارات الإنسانية واتفاقيات وبروتكولات الأمم المتحدة ومواثيقها، وبصفة خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة في 10ديسمبر 1948م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تعطى جميعها أهمية قصوى لالتزام جانب حقوق الإنسان التي تشمل رعاية الطفولة لما لذلك من نفع من على الطفل والأسرة والمجتمع بأسره.
ومن باب الاهتمام الخاص بحقوق الأطفال صدرت اتفاقية حقوق الطفل بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 44/25 وتاريخ 20 نوفمبر1989م النافذ ابتداءً من 2 سبتمبر1990م متضمناً في المادة (39) منه اعتراف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطراً، أو يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن تكون ضاراً بصحة الطفل، أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي.
أما الفقرة (2) من المادة ذات فنصت على اتخاذ الدول الأطراف في الاتفاقية التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية اللازمة التي تكفل تنفيذ الاتفاقية، كما حددت مجموعة التدابير والاجراءات الواجب اتخاذها لحماية الطفل.
إن حقوق الإنسان، ومن بينها حقوق الطفل، لم تعدّ كما كانت في الماضي مسألة فردية أو قضية تعالج في نطاق القوانين الخاصة بالدول في إطار إقليمها وحدودها الدولية، ولكنها تمددت في ظل العولمة لتأخذ طابعاً دولياً وإنسانياً يهم كل سكان الأرض، وفتح بذلك باباً لتدخل الدول الكبرى في شؤون الدول بدعوى انتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية المخالفة للقوانين والاتفاقيات الدولية.
هذا الوضع جعل الحكومات الشمولية التي تعمل على تحصين نفسها بشرعية صورية، وإبعاد شبهة الدكتاتورية والاستبداد عن ممارساتها تسارع في إصدار القوانين التي تتوافق والقوانين والاتفاقيات الدولية من خلال أجهزتها التشريعية، من دون أن تجد تلك التشريعات حظها من التطبيق على أرض الواقع، وهذا ما نعانيه في السودان.
لقد صدر قانون الطفل السوداني لسنة 2010 متوافقاً في كثير من جوانبه مع القوانين والاتفاقيات والبروتوكولات الدولية مع النص على الآليات اللازمة للتطبيق.
وقد نص القانون على حظر عمل من هم دون سن الرابعة عشرة من الأطفال، مع استثناء العمل في الرعي والأعمال الزراعية غير الخطرة وغير الضارة بالصحة، كما حظر القانون استخدام الأطفال في الأعمال الخطرة، والصناعات التي ترجح أن تؤدي بطبيعتها، أو بفعل الظروف التي تزاول فيها الاضرار بصحة الأطفال، أو سلامتهم أو سلوكه الأخلاقي، كما يحظر القانون استخدام الاطفال في القوات والجماعات المسلحة، والمشاركة في الاعمال الحربية، إضافة إلى منع الخطف والبيع، او نقل أعضاء الأطفال والاغتصاب والتحرش او الإساءة جنسياً للأطفال، أو استخدامهم لأي أنشطة جنسية.
وبالنسبة إلى آليات تنفيذ القانون تم النص في قانون الطفل على إنشاء شرطة ونيابة خاصة بقضايا الأطفال، إضافة إلى إنشاء محاكم خاصة بقضايا الطفل، مع تفصيل اختصاصات تلك الأجهزة. ولكن وللأسف ورغم توافر التشريعات اللازمة وآليات التنفيذ، فان الواقع لا يعكس بذل أي مجهود لتوفير الحماية المطلوبة للأطفال من الدولة والمجتمع، إضافة إلى قصور أو عدم الاهتمام من بعض الأسر بحقوق أطفالهم، ربما لأسباب خاصة فرضتها الظروف السياسية الاقتصادية الصعبة في البلاد
إن ما نسمعه من تشغيل الأطفال في مناطق التعدين وما يتعرضون له من مخاطر، يشكل خطراً بالغاً على أرواحهم وجميعهاً مخاطر يجرمها القانون المحلى والدولي، وتضع الدولة والمجتمع أمام المسؤولية الاخلاقية والمساءلة القانونية.
إننا ندق ناقوس الخطر لضرورة إيقاف تشغيل الأطفال بشكل عام وفى المناطق الخطرة بشكل خاص وعدم قتل براءتهم فهم حلم الأمس، واقع وأمل الولاية والوطن في المستقبل وزينة الحياة الدنيا. إننا نوجه نداءنا للمسؤولين في حكومة الولاية والأجهزة العدلية والإدارية ذات الصلة باتخاذ الاجراءات الفورية لإيقاف هذا العبث، ومعاقبة مرتكبي الجرائم ضد الأطفال بأقصى العقوبات؛ حماية لهم من الاستغلال والتزاما بحقوقهم القانونية التي صانتها القوانين المحلية والعالمية؛ وحفاظاً على ثروة يعول عليها في مستقبل الأمة.