غيب الموت فى يوم الاثنين (5 نوفمبر 2018م) أستاذ الأجيال بكلية الهندسة الكهربائية بجامعة الخرطوم البروفيسور مهندس سمير إبراهيم غبريال، الذي فُصل تعسفياً من الجامعة فى عام 1992 في أيام عهد التمكين والتسلط.
الراحل أول سوداني يحصل على درجة الأستاذية فى هندسة الاتصالات ومجال الكهرومغنطيسية عن جدارة، من خلال نشاطه البحثي الذي نشر من خلاله 54 ورقة بحثية فى عدد من المجلات العلمية العالمية، وهو مرجع عالمى فى مجال الكهرومغناطيسية وتعدّ الورقة العلمية Microwave attenuation and cross polarization in dust storms التي نشرها في عام 1987م بدورية الهوائيات وانتشار الموجات (IEEE) ورقة مرجعية، واعتمد علي نتائجها عدد كبير جداً من الباحثين منذ نشرها وحتى الآن.
تخرج غبريال في جامعة الخرطوم في عام 1969م، ثم ابتعث إلى جامعة برادفورد بالمملكة المتحدة؛ لمواصلة دراسته العليا، وتحصل منها على الماجستير والدكتوراة في الفترة من 1969 إلى 1974م، ثم عاد بعدها وانضم إلى هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم، وقبل عودته عرضت عليه إدارة شركة فيليبس العالمية وظيفة للعمل معها والاستقرار ببريطانيا، ولكن آثر العودة لوطنه الذى أحبه.
وقد روى أن اكثر لحظات سعادته تكون عندما تُلامس طائرة سودانير أرض مطار الخرطوم وهو على متنها. يا لروعة حب الوطن عند هذا السودانى الأصيل، وظل وفياً لوطنه ولم يغادره حتى بعد فصله من الجامعة رغم العروض التى تلقاها للعمل بالخارج خاصة من الجامعات الخليجية، ليقبع فى منزله بحي العمارات بالخرطوم لمدة 26 عاماً حتى رحيله مكتفياً بتدريس طلاب الثانويات بمنزله، وعميداً لأسرته من إخوانه وأخواته، لتحرم هذه الطغمة الحاكمة أجيالاً وأجيالاً من علم هذا العالم الجليل ، وسؤالى ماذا جنيتم أيها الطغاة من فصله؟ وماذا كان سيُضيركم إذا بقي بالجامعة؟
وما ميّز بالبروفيسور سمير من الآخرين ليس الذخيرة الاكاديمية، وإنما الوفاء والتفانى فى مهنة التدريس وأسلوبه السلس، وقد كان يمضى الساعات الطوال بمحرابه بمبانى الكلية من اجل المعرفة والبحث العلمى، فقد اتخذ من العلم ومهنة التدريس شريكة لحياته زاهدا عن اختيار شريكة أخرى له.
في اغسطس 2014 بادرت مجموعة من أعضاء الجمعية الهندسية السودانية بالمملكة المتحدة (من مختلف التخصصات الهندسية) بتكريمه بدار المهندس بالخرطوم، وخلال هذا التكريم قال: “عاوز أعرف سبب واحد تم فصلى به من الجامعة”، ثم أردف قائلاً: “كانت أمنيتى أن أموت وأنا ممسك بالطبشيرة) ، فقد كان لديه الرغبة أن يعطى للأجيال المقبلة حتى آخر لحظة من حياته، ثم قال لنا: “طلاب درستهم قبل ٢٣ سنة آتوا من مهاجرهم البعيدة وكرمونى، وجامعة الخرطوم على بُعد ٥ اميال لم يفكر القائمون على أمرها يوماً أن يدعونني لزيارتها أو حتى لحضور حفلة تخريج).
ظللت خلال إجازاتي بالسودان من 2014 الى 2018م أحرص على زيارة بروف سمير مع زملائي من الدفعة، ومن خلال كل زيارة كنت أتعلم شيئاً جديداً أفضل مما تعلمت منه أكاديمياً، ومنها التسلح بالصبر والجلد؛ لتحمل الظلم الذى وقع عليه، حرصه ووفاؤه لمن حوله من أسرته وتلاميذه، عاش بيننا فى هدوء ورحل عنا بهدوء.
التعازي للوطن و لأسرته وزملائه وتلاميذه.