من إنجازات الحزب الحاكم الماثلة “صلاة التهجد”، أما إستراتيجيته البعيدة فهي “جمع أهل القبلة”!!. إلى أي عصرٍ ننتمي؟
حين سمعت خطاب الرئيس “الغائب” في مؤتمر حزبه، أحسست أننا فعلاً نعيش في غياهب المجهول، لا غياهب التاريخ. لقد أوقف كل إنجازات حكومته في حدود ما تمّ إنجازه من قبل ظهور دولة الفونج، واكتفى!!، هل هذا رئيس حزب سياسي أم شيخ طريقة؟ وهل هذا حزب حاكم أم “حُوليّة”؟ ماذا عن حياة الناس؟ ماذا عن الفقر والجوع والجهل والمرض؟ ماذا عن المياه والكهرباء ونظافة المدن؟ ماذا عن الصفوف؟ وأخيراً ماذا عن الجنيه؟ هل لا زالت عملتنا مبرئة للذمة؟.
مشكلاتنا كثيرة، فدع عنك بيضة الدين، وانظر إلى بيضة الدولة التي فسدت بفسادكم، فلبيضة الدين رب يحميها. الناس ليسوا في حاجة إلى معرفة اتجاه القبلة من جديد، ولا موقع الكعبة التي كان الشعب السوداني يكسوها يوم كان “علي دينار” مهموماً بتوفير مياه الشرب للحجيج، فكانت آبار “على” في الأراضي المقدسة معلماً على مقدار تمثل أهل السودان بقيم الإسلام، هذا الدين ليس طارئاً على هذا البلد، وساكنوه ليسوا في حاجة إلى من يدلهم على دروبه. ولكنهم في حاجه إلى من يوفر لهم الماء والطعام والدواء والكساء، وفي حاجة إلى الكشف عن مسارب أموالهم التي هُرّبت، فهم في أمس الحاجة إلى معرفة من منكم؟ وكم منكم نهب أموال هذا البلد الغني؟ الناس تريد أن تسترد حقوقها، وتستعيد البسمة والحياة الكريمة للأطفال الذين يقتلهم الظمأ وأمامهم أطول أنهار الدنيا، وفوقهم أوفر أمطار الدنيا، وتحت أقدامهم أخصب أراضي الدنيا.
الناس تريد جمع الأوساخ من شوارع الخرطوم قبل “جمع أهل القبلة”، تريد تنظيف دواوين الحكومة من الحثالات الفاسدة التي تبتلع أموال الفقراء والمساكين دون خشية من رب القبلة، تريد بيئة نظيفة ومجتمعاً نظيفاً ومسؤولاً نظيفاً له ضميراً وحياءً وذمة.
ودع عنك التغني بازدياد عدد المساجد وانظر إلى ازدياد عدد العمارات التي شهقت بمال التمكين المنهوب. الناس في احتياج لمال العمارات والمساجد معاً، فعند الصلاة كل أرض الله طهور. فأوقف بناء المساجد وأكبح بناء العمارات، ولتكن المستشفيات العامة والمدارس المجانية والمراكز الخدمية هي الأوفر حظاً في البناء. فمسؤوولية الحكومة هي توفير أسباب الحياة الكريمة للناس، أما عبادتهم فهم مسؤولون عنها أمام الله فرداً فرداً. فلا تهرب مما يليك إلى ما يلي الله.
دع عنك التباهي بازدياد عدد المصلين، فأنت لست جديراً بأن تمتنّ على الناس صلاتهم، أو تمتنّ على الله طاعة خلقه، عليك ألّا تتوهم أن الناس قد عرفت الله على يديك، أو أنهم كانوا في انتظارك لتأتي إليهم برسالة السماء. أنهم يعرفون ربهم ودينهم من قبل. فدع المصلين وشأنهم وانظر فيما فعلت يداك، انظر فيمن ظلمت وعذبت وشردت، انظر إلى أطفال الشوارع، والعاطلين عن العمل، والمرتمين في أحضان المخدرات، ومن ترك البلاد وهج، لقد طفّشت الناس من بيوتهم ناهيك عن المساجد.
لقد أثقلت على الناس بفسادك وفساد عشيرتك وحاشيتك، حتى ضاق بهم الحال، أعد لهم حقوقهم الدنيوية، وسيتدبرون أمور دينهم بما أفاء الله عليهم، دعهم يأكلون ومن ثَمّ سيحمد كل منهم الله على طريقته