القناة الفضائية القومية والقنوات الأخرى الخاصة والولائية تقدم عدداً من البرامج الحوارية تشارك فيها شخصيات تستضيفها من الرجال والسيدات لمناقشة موضوعات في غاية الأهمية. منها التي تتناول الجوانب الثقافية والفكرية والابداعية والفنية والتراثية، ومنها كذلك القضايا السياسية والاقتصادية التي تشغل الساحة، والمشكلات الاجتماعية بأنواعها المختلفة وقضايا الرياضة وغيرها. بعض هذه البرامج الحوارية يُقدم بشكل راتب وفي مواعيد محددة، وهنالك جهد يبذل يستحق الإشادة والتقدير، ولكن البون ما زال شاسعا بين البرامج الحوارية في قنواتنا وما نشاهده في الفضائيات الأخرى العربية والأجنبية.
أول ما يلفت الانتباه هو عدم قدرة بعض من يقدمون تلك البرامج على التمهيد والتقديم للموضوع، وكذلك إدارة الحوار وتوزيع الفرص، وضبط الزمن المتاح للضيوف حتى لا يستأثر أحدهم بمعظم الوقت، وبحيث تتم تغطية جوانب الموضوع بصورة كاملة ومتوازنة وبإدراك واعٍ وتفهمٍ للقضية المطروحة للنقاش. فأحيانا يبدأ الحوار، وتثار النقاط حول الموضوع بطريقة عشوائية، فيحس المشاهد أن بعض هذه البرامج أصبحت “حلقات ونسه” إن جاز التعبير، أكثر منها فرصة للحوار المفيد للمتلقي.
وأحيانا تعلو أصوات بعض المشاركين، وربما يعمد أحدهم من الظرفاء لإضحاك مقدم البرنامج نفسه وبقية المشاركين دون مبرر. ويلفت الانتباه كذلك عدم إلمام بعض الذين تتم استضافتهم بموضوع الحلقة أو عدم قدرتهم على التعبير عن آرائهم أو ترتيب أفكارهم بشكل جيد، مما يتيح الفرصة لأحدهم للحديث معظم الوقت فيبعث المشاهد على الملل. وهذا يثير التساؤل حول معايير اختيار الضيوف لهذه البرامج.
صحيح أننا لا نريد لبرامجنا التلفزيونية الحوارية أن تتحول لندوات أو محاضرات علمية أكاديمية صارمة، وصحيح كذلك أننا نحب أن نشاهد البرامج التلفزيونية وفيها شيء من نَفَس الترويح والتسلية والدعابة التي تحبب لنا المشاهدة والاستماع، ولكننا في الوقت ذاته نريد أن تشتمل هذه البرامج على قدر معقول من الجدية والعمق في التناول حتى تؤدى الغرض المأمول منها في توعية الناس، وتثقيفهم، وتمكينهم من الإلمام بجوانب القضايا التي تطرح للنقاش. وهذه الملاحظات لا تستعصي على المعالجة، وتستحق أن تتنبه إليها الإدارات المتخصصة المسؤولة عن هذه البرامج في
القنوات الفضائية.
أمر آخر مهم لا بد من أن تتنبه إليه الفضائية القومية والفضائيات الكبرى الأخرى وهو ضرورة الخروج ببرامج الحوار التي تتصل بقضايا الناس اليومية، إلى مدن السودان الأخرى وأريافه بكل ما فيها من ثراء وتنوع، والانعتاق من سيطرة المركز.
فعلى الرغم من وجود قنوات ولائية لا بد في رأيي من أن تهتم الفضائية القومية والفضائيات الأخرى التي لديها إمكانيات أفضل، وتسعى إلى المناطق والمدن والأرياف لاستنطاق الرموز والشخصيات التي لديها الكثير المفيد من المعلومات والخبرة لمناقشة مشكلاتها وقضاياها وفنونها وتراثها وإرثها الثقافي والحضاري، فهذا أقل ما يتعين على هذه القنوات التي يفترض أن تكون أدوات لنشر الوعي ومراكز إشعاع تتيح التفاعل والتدامج والتمازج القومي. فمن الملاحظ جداً أن بعض هذه البرامج التي يتكرر بثها بشكل راتب، تختزل السودان كله في العاصمة، وربما العاصمة نفسها في وجوه تطل علينا بشكل دائم ولافت!