قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)الحشر:7).
كما قال تعالى 🙁 لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا(الأحزاب:21).
ليتنا نتنسم عبق ورد هذه الأيام المباركات، وتستنشق هواها العليل الذي يرد الروح، لنستقي حلاوة ذكرى مولد سيد الأنام.. سيد الأولين والآخرين، سيد الغر المحجلبن؛ لنعيش ليالي الذكرى بوقفة تأمل، ولحظات تجمل بصفاته الكريمة.
أحبتي القراء الأعزاء:
ما أصعب الكتابة عمن زكاه ربه، واصطفاه، فقال تعالى: إِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم:4).
وصعب جداً عندما لا يمتلك الكاتب المادح الأدوات، والمؤهلات التي تتيح له مدح ووصف من علا شأنه في السموات والأرض، ولكن فليكن جهد المقل.
حبيبي يا رسول الله إليه تهفو النفوس الطاهرة.
أحبتي القراء:
الذي بعث ليكمل مكارم الأخلاق. سيدنا وحبيبنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم. معجزة إلهية. انظروا كل عام ومعشر المسلمين يحيون ذكرى مولده، ولكن كأننا نتعرف على صفاته لأول مرة، وهنا الإعجاز؛ التجدد في المعاني، والقيم.
من القيم الإنسانية التي اتصف بها رسول الإنس والجن: العدل، والرحمة، والتواضع، والكرم، والصبر والصدق، والأمانة، والخ.
فلو تمسكنا بها، وعملنا بها لصلح حال المسلمين، ولكان الحال غير الحال الذي حل بأمة الإسلام.
فلتكن أحبتي ذكري ميلاده العطرة وقفة مع النفس، ومراجعة للذات ومحاسبتها للمواصلة في الصالح، والإقلاع عن الطالح.
ليتنا ننتهج نهجه؛ لنسعد في الدنيا والآخرة.
أحبتي أحباب رسول النور:
أما عن وصف خلقه، وحلاوة شكله صلى الله عليه وسلم، فهذا شأن آخر. إنه أجمل خلق الله عليه السلام، فإذا أردنا أن نصفه لا نستطيع مهما احطنا به خبراً، ولكن حتما سوف يريحنا وصف ام عبد.
وكلنا يعرف أم عبد صاحبة الخيمة التي قصدها سيدنا محمد صلى الله عليه وأبوبكر الصديق، ودليلهم عبدالله بن اوريق، عندما نفد طعامهم.
فسألها سيدنا أبو بكر إن كان لديها طعام؛ قالت لا أملك.. زوجي أخذ القطيع ولم يترك غير شاة عجفاء خلفها القطيع. فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإحضارها، فقرأ عليها، وحلبها وامتلأ الإناء، فسقى أبوبكر والدليل، وشرب سيدنا محمد، وسقى أم عبد، ثم ملأ الإناء لأبي عبد، وودعوها وانصرفوا.
وهنا ندلف في وصف أم عبد لرسول لله عندما روت القصة لزوجها عندما عاد؛ فقالت واصفة: رأيت رجلًا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، لم تعبه فجله؛ أي: ليس بضخم البطن، ولم تزر به صقله ليس بنحيل، وسيم قسيم؛ تعني: حسنٌ وضيءٌ بيِّن الحسن، في عينيه دعج؛ تعني: بذلك شدة سواد العين، وفي أشفاره وطف، تقصد أن شعر رمشه طويل منثنٍ، وفي صوته صحل؛ تعني: بذلك حدة وصلابة من غير شدة، وهي كما يقول العلماء: البحة اليسيرة، وهي أبلغ في الصوت من أن يكون حادًّا، قالت: وفي عنقه سطع؛ تعني: بذلك أن في عنقه شيئًا من الطول، وكذلك نور وبهاء، وفي لحيته كثاثة تعني كثرة والتفاف، أزج أقرن؛ تعني: بذلك أنه متقوس الحاجبين مع طولهما ودقتهما واتصالهما، تقول رضي الله عنها: إن صمت علاه الوقار، وإن تكلم سما؛ أي: ارتفع برأسه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأجلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصلٌ لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرنَ، تصف بذلك كلامه في حسنه وبلاغته وفصاحته وبيانه وحلاوته، قالت: تصف الرسول عليه الصلاة والسلام: ربعةٌ لا يأس من طول؛ أي: إنه إلى الطول أقرب ولا تقتحمه عين من قصر، لا تحتقره العين حين تشاهده؛ لأنه إلى الطول أقرب، وليس بالقصير، بل هو مهاب مقبول، قالت: غصنٌ بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محشود محفود، وتعني بذلك أن أصحابه يجتمعون عليه ويخدمونه ويسرعون في طاعته، وما ذلك إلا لجلالته عندهم، وعظمته في نفوسهم، ومحبتهم له، قالت أم معبد: لا عابس ولا مُفند صلى الله عليه وسلم، العابس هو الكالح الوجه، والمفند هو المنسوب إلى الجهل، وقلة العقل، وتعني بذلك أنه كان جميل المعاشرة حسن الصحبة، صاحبه كريم عليه، وهو حبيب إليه صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال أبو معبد بعد أن سمع هذا الوصف البليغ: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلنَّ إن وجدت إلى ذلك سبيلًا.
قيل جلس حسن البصري في مجلس علم يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوصفه إلى أن وصل إلى نعله، فصمت برهة، ثم قال بحزن :
كان له نعل نعلو بذكره وسأله الطلاب؛ كيف نعلو بذكر نعله أيها الإمام؟
فقال حسن البصري: نعل لم يؤمر صاحبه بخلعه في السموات العلا.
فأمر سيدنا موسى عليه السلام بخلعه، وهو في الأرض. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (طه: 12).
أما نعلو بذكره؟
وكل عام وأنتم بخير وعافية، أحبتي القراء وجميع المسلمين والمسلمات، ومنتهجين نهجه، ومطبقين أفعاله واقواله.
اللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.