نقلت صحيفة التيار السودانية، عن سفير دولة أوروبية كبرى في الخرطوم، قوله يوم الاثنين الماضي: «إن هناك إرهاصات انهيار وشيك للاقتصاد السوداني، ولكننا لن نسمح بذلك، حتى ولو اقتضى الأمر أن نضخ أموالاً بطريقة مباشرة في الاقتصاد السوداني»،
واعتبر السفير الإجراءات التي اتخذها السودان للإنقاذ الاقتصادي حالياً غير ناجعة في علاج الأزمة، وأن الحل الناجع في متناول يد الحكومة، ويتمثل في «فتح الملعب السياسي وتوسيع دائرة المشاركة والحريات وحقوق الإنسان».
ولعل هذه هي أول إشارة دبلوماسية غير مباشرة للحراك الذي يجري الآن وراء الكواليس في أروقة محلية وإقليمية ودولية، للوصول إلى حلول للأزمة السياسية، سواء في تجلياتها السياسية أم الاقتصادية.
وقد ظللنا نرصد مؤشرات هذا الحراك دون أن تتسنى لنا معرفة تفاصيله، ولكن في المؤشرات العديدة ما يشير إلى ضلوع أطراف عدة في هذا الحراك، وخطوات قد اتُخذت، واتصالات قد أُجريت وراء الكواليس، وقد شملت المؤشرات ما يلي:
مؤشرات على تحركات إقليمية طالت الاتحاد الإفريقي ولجنة إمبيكي، التي نُفخت فيها الروح بعد بيات شتوي طال واستطال، وحراك في إطار الوساطة القطرية دعا أطراف النزاع في دارفور، ووجد قبولاً من الطرفين، بل كان ترحيب حملة السلاح يحمل نبرة تفاؤل غير معهودة، ربما بسبب «تطمينات» حصلوا عليها من أطراف دولية، إذ قال قائد حركة العدل والمساواة – بعد لقائه الوساطة القطرية – لصحيفة «سودان تريبيون» الإلكترونية:
«إن اللقاء بحث الخطوات العملية لتحريك عملية السلام بمساهمة من الوسيط القطري لتذليل «العقبات البسيطة» التي تقف أمام التوقيع على اتفاق ما قبل التفاوض، لينتقل الأطراف لتوقيع اتفاق وقف العدائيات، ومباشرة بعدها يبدأ التفاوض حول القضايا السياسية، التي تخاطب جذور المشكلة ومعالجة آثار الحرب، في اتفاق إطاري يرسم مسار المفاوضات»،
هذا التصريح لا يحمل مجرد تفاؤل، بل يكاد يطرح أجندة العملية التفاوضية، ولا بد من أن نستصحب مع هذه الحقيقة، أن جهداً هادئاً وطويلاً بذلته الحكومة الألمانية في هذا الملف، وأن ألمانيا وأميركا نقلتا لحملة السلاح في دارفور موافقة الحكومة على مطلب حركتي مناوي والعدل والمساواة بإنشاء آلية جديدة مستقلة، تشرف على تنفيذ أي اتفاق يتم الوصول إليه بينهم وبين الحكومة، مما اعتبروه اختراقاً كبيراً، ينعكس إيجاباً على المفاوضات.
والمؤشر الثاني هو تجدد اهتمام «الإيقاد» بأزمة السودان، ونفض الغبار عن لجنة إمبيكي بعد طول غياب، فقد عادت لتطرح على قوى نداء السودان مسألة التخلي عن خريطة الطريق، لأن الزمن قد تجاوزها – حسب رؤية الحكومة – وأن ينخرطوا فوراً في التفاوض المباشر مع الحكومة، وقد قوبل هذا الموقف بالرفض أول الأمر، ولكن ثمة ما يشير إلى أن قوى نداء السودان قبلت المقترح الآن، وباتت مستعدة للتفاوض المباشر مع الحكومة، وأن المداولات وراء الكواليس تعمل على أساس الوصول إلى مرحلة التفاوض المباشر،
إضافة لذلك، لا بد أن نشير إلى الدور الذي بدأت تلعبه حكومة جنوب السودان في الأزمة، بموافقة تامة – للمرة الأولى – من حكومة الشمال، وحكومة جنوب السودان تسعى أولاً إلى توحيد الحركة الشعبية شمال «جناحي عقار – الحلو»، ثم دخولها بوفد موحد في مفاوضات مع الحكومة، ورغم العقبات ما زالت محاولاتها جارية، وتجد دعماً كبيراً من فصيل عقار، الذي له الآن وفد رفيع المستوى مقيم في جوبا، ويدعم مساعي حكومة الجنوب.
والمؤشر الأخير يأتي من قوى نداء السودان، وتحديداً من التصريحات الأخيرة التي صدرت عن رئيسها وزعيم حزب الأمة الصادق المهدي، والتي نقلها الإعلام عن مخاطبته الأسبوعية التي يقدمها كل يوم اثنين، فقد أكد ما ذهبنا إليه من أن ثمة نشاطاً يدور وراء الكواليس.
وهكذا يتضح أن المؤشرات بلغت بالأمر نهايته، حتى وصلت به إلى الانتخابات، ولكن حتى ولو اتفق الناس على هذا الإطار العريض، فهل هناك اتفاق على التفاصيل؟
وهل هي تفاصيل تقود إلى تصفية الوضع الراهن المأزوم؟
سنتابع البحث عن مزيد من تفاصيل ما يدور خلف الكواليس!!