زميلتنا الصحفية النشطة “سعاد خضر” بالغراء صحيفة “الجريدة” انفردت بنشر خبر عن الندوة التي أقامها مركز “دراسات المستقبل” وتحدث فيها الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول السابق والأمين العام السابق للحركة الإسلامية.. فخرج “مانشيت” “الجريدة” بعبارة (لن نعتذر عن انقلاب 30 يونيو!)..
والحقيقة، كل تاريخ السودان المعاصر من فجر الأول من يناير 1956 وحتى لحظة كتابة هذه السطور (وربما ما بعدها) يستحق الاعتذار.. ولكن الفترة ما بعد 1989 تقريباً تعادل كل ما سبقها بحساب السنوات، وأضعافها بحساب الخسائر الوطنية!
هب أن الأستاذ علي عثمان محمد طه وافق على (الاعتذار)، واستدرج كل ما عنده من مخزون لُغوي ليدبج به بيان الاعتذار للشعب السوداني، فهل يفيد ذلك شيئاً لتغيير الواقع؟ بعبارة أخرى هل المطلوب الاعتذار بالكلمات أم بالأفعال؟
الحال الماثل الآن هو امتداد لحقبة ما بعد 30 يونيو 1989م بكل ما تحمله فوق ظهرها من فشل وخيبات أمل، وطن كبير تآكلت أطرافه وفقد أجزاءً عزيزة منه.. وشعب نبيل فقد الملايين منه اما بهجرات المغبونين إلى أقاصي الدنيا بما فيها إسرائيل، أو ضحايا الحروب، أو المُحبطون المحبوسون داخل أسوار الوطن الذين ينطبق عليهم قول الخنساء (لا حي يُرجى ولا ميت يُنسى).. وما أكثرهم!!
هذا الواقع لا يعالجه اعتذار ولو كُتب بماء الذهب، وعُلق في أستار الكعبة.. فالاعتذار مهما تشفعت كلماته لا يعوِّض طفلاً في جبال النوبة عن مدرسة لا يجدها، ولا مريضاً في الشرق يبحث عن جرعة دواء، ولا أرملة في دارفور تحترق بذكرى من التهمتهم نيران الحروب.. بل ولأ أسرة في قلب الخرطوم تنام بدمعة على عين طفل لا تجد أسرته ثمن وجبة واحدة في اليوم.
الاعتذار المطلوب هو اعتذار الحال لا المقال.. إنكار الحال الذي آلت إليه البلاد، والعمل على تبديله.. فهل رأيتم في كل ما ضخته مؤتمرات الحركة الإسلامية خلال الشهور الماضية – وما أكثرها – أي دليل على ذلك؟ هل لمستم أية نية للإقرار بذنب الواقع والعمل على تغييره؟ أم مزيداً من الإصرار عليه، بل ورهاناً على استمراره إلى الأبد؟
رفض الاعتذار هنا لا يُقصد منه رفض إنكار ما كان في الماضي فحسب، – بكل أسف- بل تكريس استمرار العدوان على المستقبل، فهو رفض تغيير الحال اليابس الذي يُفجع الوطن في حاضره ومستقبله أيضا..
لا حاجة للاعتذار، أفضل إلقاء تحية الوداع!!
التيار