١-
السبت ٢٤ نوفمبر ٢٠١٨م، مرت الذكري الرابعة والستين علي ميلاد الشهيد مجدي محجوب محمد احمد، الذي ولد في مثل هذا اليوم من عام ١٩٥٤م، واعدم شنقاً في ديسمبر عام ١٩٨٩م، وكان عمره وقتها خمسة وثلاثين عامآ.
٢-
مجدي محجوب يتحدر من أسرة ميسورة، كان والده العصامي من كبار رجال الأعمال علي المستوى المحلي والعالمي، وعمه كان السفير الراحل جمال محمد أحمد وزير الخارجية الأسبق، اعتقل مجدي في يوم ٨ نوفمبر عام ١٩٨٩م، وكان سبب الاعتقال ان مجدي كبير العائلة بعد وفاة والده لم يقم بتسجيل المبالغ النقدية الخاصة بالاسرة والتي كانت مودعة في خزانة العائلة لدي بنك السودان، وخالف بذلك القانون الذي سن وقتها من قبل (اللجنة الاقتصادية)، وكان رئيسها الرائد صلاح كرار، ونص القانون ان علي كل مواطن بحوزته عملات محلية او صعبة ان يبادر بتسجيلها لدي بنك السودان، والا تعرض لعقوبة صارمة تصل الي حد الاعدام….كان هدف (اللجنة الاقتصادية) التابعة ل(المجلس العسكري العالي لثورة الانقاذ) ان تعرف من هم المواطنين الذين عندهم (كاش تقيل)؟!!.. وكم حجمها ومقدارها!!… من أجل هذا المبلغ الخاص بالاسرة الذي صودر من الخزانة مثل مجدي محجوب أمام محكمة عسكرية وصدر ضده الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت.
٣-
بينما كان مجدي معتقلاً في سجن كوبر، طرقت الحاجة هانم عباس والدة المرحوم مجدي كل الابواب لتحول دون إعدام فلذة كبدها، وكان ان تمكنت من الذهاب الى بيت عمر البشير لمقابلته والتوسل اليه للافراج عن ابنها الطالب مجدي، استطاعت ان تلتقي بوالدة عمر البشير الحاجة هديه وزوجته، فقالتا ان البشيرقد خرج وغير موجود في المنزل، وظلتا تطمئنان الحاجة هانم بان ابنها لن يعدم، وانهما ستتحدثان الي البشيرفور عودته للمنزل…وشاءت سخرية الاقدار انه وبينما كن يتحدثن دار المنزل اذ خرج البشير من باب جانبي، فادركت الحاجة هانم علي الفور عدم رغبة والدة وزوجة البشير في المساعدة.
٤-
قدم من المحامي الإستئناف ولكن تم رفضه علي الفور،
وقرأ رئيس القضاء قرار الحكم الذي كان فحواه أن المتهم من الذين يشتغلون بالتهريب، وأنه من أسرة تمتهن التهريب وتخريب الاقتصاد، ويطالب بتوقيع أقسى العقوبة، والتشديد فيها.. وأنه يؤيد حكم الإعدام.
كان قرار حكم الاعدام قد وافق عليه رئيس مجلس الثورة عمر البشيربكلمة (أوافق)!!.. أخبر القاضي العسكري المتهم مجدي ومحاميه أن تنفيذ الحكم سيتم بعد ان وافق عليه البشير.
٥-
على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت من قبل جهات كثيرة ورؤساء دول وسفراء وشخصيات مرموقة في مجال التجارة والاقتصاد لإنقاذه من الموت، تم تنفيذ حكم الاعدام في ديسمبر من العام ١٩٨٩م، مع مصادرة جميع أموال الورثة الموجودة بالخزينة، جاء بعد ستة شهور من الانقلاب الجبهة الاسلامية، مات مجدي ،وهو اول شهيد مدني قامت السلطة الحاكمة باعدامه.
٦-
المبالغ التي صودرت من خزينة العائلة بدون اي تقديم اي مستندات او ايصال بالمصادرة ، ولا احد من افراد الاسرة يعرف اين هي الآن؟!!…كانت:
(١١٥) ألف دولار أمريكي .
(٤) آلاف ريال سعودي .
(٢) ألف جنيه مصري .
(١١) ألف بُر أثيوبي .
(٧٥٠) ألف جنيه سوداني.
٧-
مرت (٢٨) عامآ منذ ان تم اعدام مجدي في سجن (كوبر)، ورغم طول هذه الفترة الزمنية فان احداثها مازالت متداولة بصورة واسعة بكل تفاصيلها الدقيقة، هي احداث حية في اذهان الجميع وخاصة النوبيين.
٨-
وما ان تجئ ذكرى ميلاد مجدي او يوم استشهاده الا وكانت سيرة مجدي محل اهتمام واعادة ذكريات احداث دامية واليمة.
٩-
سافر الراحل مجدي لبريطانيا لإكمال تعليمه الجامعي وتحضير درجة الماجستير في هندسة الكمبيوتر، وقبل إكماله لدرجة الماجستير بمعهد (ساوث هامبتون) للدراسات العليا بلندن، عاد للسودان عام ١٩٨٩ أثر علمه بنبأ وفاة والده، وبمجرد وصوله للخرطوم تم اعتقاله في نوفمبر من نفس العام، وبعدها جرت مهزلة المحاكمة العسكرية برئاسة قاض عسكري اصلاً لم يدرس الحقوق ولا له علاقة بالقضاء العسكري!!،(هذا القاضي العسكري اعتقل فيما بعد بتهمة اموال مسروقة وسجن في كوبر لمدة ثلاث سنوات، وطرد من الخدمة العسكرية).
النوبيون لا ينسون تفاصيل الاحداث، وفي كل مرة يتسألون:(اين ذهبت الاموال المصادرة ؟!!).
١٠-
طوال (٢٨ ) عامآ الماضية منعت الصحف المحلية – بتوجيهات امنية عليا- نشر اي اخبار او مقالات عما حدث لمجدي!! كل الصحف رفضت نشر الحقائق عن اعدام مجدي لان هذا سيقود الي سؤال:(اين اختفت الاموال التي صودرت من خزانة عائلة المرحوم محجوب محمد احمد؟!!ومن هم الذين استفادوا من المال المصادر قسرآ من الاسرة؟!!)..ظلت الصحف المحلية لا تنشر الا اخبار الفساد من النوع الصغير، وتكتب اسماء (الاسماك الصغيرة الفاسدة)!!..تنشر وتبث قصص السرقات والاختلاس التي تمت من قبل صغار اللصوص، اما عن عشرات الآلاف من قصص سرقات وحالات اختلاسات كبيرة وقروض بلا ضمانات قاموا بها كبار جنرالات الانقاذ ولصوص المؤتمر الوطني وشيوخ الجبهة الاسلامية فلا مكان لها من النشر!!
١١-
*- رغم الحظر المفروض علي حادثة اعتقال واعدام الراحل مجدي طوال (٢٨) عامآ، فهذا لا يمنع اطلاقآ ان نسأل:
(أ)-
اين اختفي المال المصادر؟!!…
(ب)-
هل دخلت الاموال جيوب جنرالات (المجلس العسكري)؟!!
(ج)-
ام ان الذين استفادوا منها هم اعضاء (اللجنة الاقتصادية) التي كان يرأسها الرائد صلاح كرار؟!!
(د)-
بعد اتمام عملية مصادرة المبالغ الكبيرة من خزينة عائلة الراحل محجوب، لم تقم لجنة المصادرة بتسليم الاسرة اي مستند او ايصال بالمبالغ المصادرة، الا يعتبر هذا التصرف نوعآ من (الهمبتة) والسرقة العلنية تمت بموافقة جهات عليا؟!!
(هـ)-
لماذا رفض عمر البشير طوال ثمانية وعشرين عامآ عن رد الاعتبار لاسرة الراحل محجوب بعد ان اتضحت الحقيقة حول المحكمة المهزلة والقاضي سئ السمعة ؟!!
(و)-
لماذا – (تحديد صلاح كرار)- هو دون الاخرين من جنرالات ذلك الزمن محل لعنات النوبيين ليل نهار، ويتهمونه علناً جهاراً نهاراً انه اصل المصائب والمحن التي لحقت عائلة الراحل محجوب؟!!..وانه هو- لا احد غيره- الذي قتل مجدي لا لشيء الا لنهب اموال الاسرة، وارعاب الاخرين الذين عندهم اموال لم يبلغوا عنها لدي الجهات المسؤولة بالعقوبات التي قد تصل للاعدام?!!
(ز)-
هل صحيح، ان تلك المقولة المعروفة التي قالها الدكتور علي الحاج للبشير ذات مرة (خلوها مستورة!!)، كان الغرض منها تذكير البشير ان يكف عن اتهامات الاخرين بالفساد، وانه (البشير) نفسه غارق حتي اذنيه في فساد كبير -منها فساد حصته من فلوس الضحايا مجدي وبطرس واركانجلو- وانه (علي الحاج) شاهد عيان علي هذا الفساد؟!!
(ح)-
لماذا لم يقل وزير المالية الحقيقة وقتها عام ١٩٨٩، ان كانت الاموال المصادرة قد دخلت خزينة الوزارة؟!!
(ط)-
ايضآ لماذا لم نسمع ولا قرأنا وقتها بان مدير بنك السودان قد اكد دخول المبالغ المصادرة قد تسلمها من لجنة المصادرة ́؟!!…فهل نفهم من سكوتهما (وزير المالية ومدير بنك السودان) انه كانت هناك اوامر مشددة من الجنرالات في المجلس العسكري بعدم النشر او التصريح باي بيانات بالاموال المصادرة؟!!
١٢-
سيظل ملف اغتيال الطالب الراحل مجدي مفتوحاً الي يوم القصاص، والذي هو باذن الله تعالي اقرب من قريب، وعزانا حتي ذلك اليوم ان القتلة اصبح عددهم يتناقص واحداُ بعد الاخر في حوادث مفجعة ونهايات اليمة …ومن تبقي منهم اليوم علي قيد الحياة يعيشون لحظات الخوف من المستقبل الذي لا يرون فيه خير ولا طمأنينة ، انهم يتوجسون ان تكون نهاياتهم اسوأ من نهايات القذافي وعلي صالح ومبارك وزين العابدين التونسي!!
١٣-
ان الذي يتمعن بدقة، رصد كيف يعيشون الان قتلة مجدي، يجد ان الله تعالي قد انزل غضبه عليهم في الدنيا قبل الاخرة:
(أ)-
عمر البشير مطارد ومطلوب القبض عليه من قبل محكمة الجنايات الدولية، انه يعيش زمن الخوف من غدر(رفقاء السلاح) او طعنة من (بروتس) وما اكثرهم في الحزب الحاكم؟!!
(ب)-
ابراهيم شمس الدين الذي ساند بشدة اعدام مجدي، بل هو من اصدر حكم الاعدام عليه، مات في حادت انفجار طائرة حربية اصطدمت بجدار مطار (عدرائيل)، ولقي مصرعه وتفحم في الحريق لدرجة ان العاملين في المطار لم يستطيعوا ان يتعرفوا على ملامحه!!
(ج)-
زوجة عمر البشير التي رفضت مساعدة الحاجة هانم والدة الراحل مجدي، تزوج البشير عليها زوجة اخري، اختفت اخبارها ولم تعد محل اهتمام من احد رغم انها زوجة رئيس جمهورية!!
(د)-
قاضي المحكمة العسكرية الذي حكم علي مجدي بالاعدام، يعيش زمن الندم علي الجريمة التي ارتكبها ظلم علي الشهيد مجدي، لقد عاقبه الله تعالي في الدنيا وتعرض لعقوبة ألحقت به وباسرته العار والفضيحة!!
(هـ)-
صلاح كرار، والمعروف محليآ باسم صلاح (دولار) تعرض لكثير من المواقف التي احالت حياة الي جحيم بعد فشله كسفير في البحرين واهماله في الحزب الحاكم….اخر تصريحاته الغريبة التي نشرت في الصحف المحلية انه اعترف بانه لص مثله مثل مئات اخرين من أهل السلطة!!
*- دعا العميد (م) صلاح كرار أحد أعضاء المجلس العسكري الذي قام بانقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م وكان له دور كبير في إنجاحه، الرئيس عمر حسن البشير الى التنحي وافساح المجال لغيره “لعله يكون أحسن منا في إصابة الهدف”، بحسب رسالة رفعها لقروب (الطريق الثالث) بتطبيق (واتساب) للتواصل الاجتماعي، وكتب كرار في الرسالة التي ارفقها مع قصيدة بصوت ود الناجي “اهديها لنفسي وكل جالس على كرسي مسؤولية، واقول ان:( “ليخسف الله الارض بما يسمي بالحركة الإسلامية التي أصبحت لا تعرف الا الشعارات الجوفاء مثل (الهجرة لله) والله برئ من هجرتهم، أدخلت فقه السترة لحماية الفاسدين واللصوص حتى أصبح الفساد هو الأصل والخوف من الله دروشة وسذاجة”. والتفت كرار للهتافات التي انطلقت يوم تشييع المرحومة فاطمة احمد إبراهيم، وكتب في رسالته لقروب (الطريق الثالث) “بالرغم من ايلام الشعار الذي رفعه الشعب وليس (الشيوعيين) يوم تشييع المرحومة فاطمة احمد ابراهيم الا ان صاحب الضمير والعقل لا يسعه الا ان يقول نعم (الكيزان حرامية) وانا قطعا منهم لأنني واحد من الذين هيؤوا لهم المسرح واوصلوهم الي خزائن المال العام بغض النظر عن المبررات التي قد تساق لتبرير ذلك”. وفي آخر رسالته كتب العميد صلاح كرار “أقول لأخي الرئيس آن لنا ان نترجل ونعطي القوس لغيرنا لعلهم يكونون أحسن منا في إصابة الهدف.”)…
– (المصدر: “السودان اليوم!- 24 أغسطس، 2017) –
أنكر العقيد صلاح كرار والترابي وغيرهم من أركان النظام عبر الصحف مسؤوليتهم عن إعدام الشهيد مجدي، وأخذ كل منهم يرمي بها على الآخر حتى إنتهوا إلى تحميل مسؤولية إهدار دمه في رقبة رئيس القضاء الأسبق جلال علي لطفي بعد أن تيقّنوا بأنه عاجز عن الإنكار بسبب وفاته.
١٤-
الله يرحمك قريبي مجدي، لو كنت الان في عداد الاحياء لوصل عمرك اليوم (٢٤) نوفمبر الحالي ٢٠١٨ الى (٦٤) عامآ، تنعم مع عائلة سعيدة واطفال وربما احفاد….ولكن الله لا يكسب اولاد الحرام اللصوص القتلة!!…قال الله تعالي في كتابه الكريم {إنا من المجرمين منتقمون}، لقد استجاب االله لدعواتهم، وها هم اللصوص والمجرمون يتساقطون في ذل ومهانة واحداً وراء الاخر.
١٥-
الي اسرة الراحل محجوب محمد احمد، اعذروني ان قمت بفتح جراحات قديمة لم تندمل بعد، وخاصة للوالدة الحاجة هانم، ان العزاء مازال قائمآ..لن يرفع الا بعد القصاص العادل، الذي هو قريب باذن الله تعالي.
بكري الصائغ