الخرطوم – التحرير:
قدم مساعد رئيس حزب الأمة القومي لشؤون المهجر المستشار البشـرى عبد الحميد أمس الثلاثاء (4 ديسمبر 2018 م)، بمنتدى الثلاثاء الدوري بدار حزب الأمة بأم درمان وضمن سلسلة (قضـايا الدستور وصناعته)، قدم ورقة عمل حول (وضع السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في الدستـور) ، تطرق من خلالها إلى التجارب العالمية والتجربة السودانية في تضمين أوضاع السلطة التشريعية متمثلة في البرلمان المركزي والولائي، وكذلك وضع السلطة التنفيذية متمثلة في رئيس الجمهورية والوزراء والولاة.
ورأى البشـرى وضع السلطة التشريعية والتنفيذية في الدستور يرتبط ارتباطاُ وثيقاً بالنظام السياسي للدولة من ناحية، وبخصوصية البلد من الناحية الأخرى.
وأكد أن النظام الدستوري اعتمد أربعة اشكال للأنظمة الدستورية، التي تحدد أوضاع السلطة التشريعية والتنفيذية فيها، وهي (النظام الرئاسي كما الولايات المتحدة، والنظام البرلماني كما في المملكة المتحدة، والنظام المختلط كما في فرنسا، والجمعية النيابية كما في سويسرا).
وأشار البشرى إلى أن التجارب العالمية الناجحة في النظم الأربعة تؤكد تطبيق مبادئ الليبرالية، والشعب مصدر السلطات، والتعددية السياسية، والالتزام بحقوق الإنسان والحريات، وتمكين المجتمع المدني في الممارسة الديمقراطية، وأكد أن النظم العسكرية والملكية تحكم بمراسيم وقرارات، ولم تراع النظم الأربعة المذكورة التي تعكس تطور البشرية في ابتداع نظم تحقق الاستقرار والمواطنة وتحافظ على إرث الدولة.
وتحدث البشـرى عن مطلوبات وضع السلطة التشريعية والتنفيذية في الدستور، وقال: “إن أهمها تحديد السلطات والصلاحيات والمسؤوليات، ومدى ملاءمتها مع حال البلاد وواقعها وخصوصياتها، وإلى إي مدى تعبر عن إرادة شعبية”.
وقال البشَرى في ورقته: “إن الأزمة السودانية ترتبط ارتباطاً كبيراً بفشل محاولات صناعة دستور دائم، وإن طرق وإجراءات صناعة الدساتير ظلت حكراً على النخب، ولا تمثل التنوع الجغرافي والعرقي”، وأكد توافر قناعة لدى الحكومة والمعارضة بأهمية صناعة دستور يعالج أزمات البلاد، وقال: “هذه فرصة يجب أن تستثمر بصورة أفضل لأنها الحلقة الشريرة”.
كما تطرق البشـرى إلى النظم الأربعة بالتفصيل، معدداً مميزات كل منها وعيوبه، وأكد أن وضع السودان يتطلب تبني نظام يعبر عن الحالة السودانية، وليس عن أشواق مجموعة صغيرة مفتونة ببعض التجارب وتريد تطبيقها دون مراعاة للخصوصية السودانية.
ووقف البشـرى على وضع السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في التجربة السودانية، وقال: “إن كل النظم الديمقراطية في السودان تبنت النظام البرلماني، والنظم الشمولية تبنت النظام الرئاسي مع بعض التشوهات التي لازمت التجربة”.
وتتبع البشرى وضع البرلمان او الهيئة التشريعية القومية في الدساتير السابقة ودورها في إجازة القوانين والقضايا الكبرى، مثل: إعلان الطوارئ، أو الحرب ومراقبة الحكومة، وعلاقتها بالسلطة القضائية، وعن آليات الرقابة البرلمانية.
وتناول البشرى المواد والنصوص الدستورية حول وضع رئيس الجمهورية في دستور 1973 وفي دستور 1998 وفي دستور 2005 وفي تعديلاته وفي توصيات حوار الوثبة خاصة محور الدستور وقضايا الحكم، و أشار إلى أن وضع رئيس الوزراء في النص الدستوري وصلاحياته فيه تطور كبير، ولكن وضعيته الراهنة بحكم الواقع تسلبه صلاحياته بواسطة رئيس الجمهورية.
ووصف عبد الحميد تعديلات الدستور عند النظام الحالي بأنها لا تُعد سوى محطات لتجاوز أزماته المتلاحقة، وفي غالبها تكون تعديلات في السلطة التنفيذية وصلاحيات الرئيس وخلافه، ولم تمس قضايا الحريات والحقوق.
وتطرقت الورقة إلى اختصاصات الوزير القومي، والوالي، ووضع المجالس التشريعية الولائية ودورها التشريعي والرقابي، وقال مقدم الورقة إن المنهج التشريعي يجب أن يحدد شكل الدولة، وتوزيع السلطات، والعلاقة بين الشعب والحكومة، وممارسة الحقوق والحريات، مع الوضع في الاعتبار التركيبة السياسية والجغرافية والاقتصادية وتقاليد الأمة، وهذا ما غاب خلال تجارب إجازة الدستور في ظل النظم الديكتاتورية.
وطالب عبد الحميد بضرورة أن تكون صناعة الدستور في جو ديمقراطي وبمشاركة واسعة، والخروج بالدستور قبل إجازته إلى ساحات أرحب وصولاً للجماهير في المدن والأرياف.
وشّدد على المؤتمر القومي الدستوري لمعالجة القضايا المصيرية التي تواجه السودان وبناء الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وحكم القانون وحسم مسألة الهوية والمواطنة.
وطالب بالتدقيق والبحث عن النظام المناسب من خلال مراعاة خصوصية الدولة، وتجنب العشوائية في اختيار النظام الأمثل.
وأشار البشـرى إلى أن جميع الدساتير المؤقتة التي صدرت في النظم الديمقراطية في البلاد التزمت بالنظام الديمقراطي، بينما تحولت الحكومات الديكتاتورية للنظام الرئاسي القابض لترسيخ سلطاتها وضمان القبضة الأمنية.
المُشـاركون في المنتدى عبروا عن اشادتهم بالورقة وعرضها، وما تضمنته من مادة تثقيفية وأفكار متناسقة ومنهجية علمية، وحذروا من مغبة أي تعديلات دستورية على الدستور لضمان ترشح الرئيس البشير من جديد، وعدوا هذا ليس انتهاكاً للدستور فحسب، وإنما القضاء على كل مظاهر دولة القانون، منبهين إلى أن هذا هو التعديل الرابع عن قانون 2005م، مما يحولها إلى تعديات وليس تعديلات على الدستور الذي وضعه النظام بنفسه، وأكدوا اهمية مناقشة القضايا التفصيلية في الدستور خاصة تلك المتعلقة بالبرلمان والحكومة التنفيذية، وضرورة دراسة التجربة السابقة والتجارب المشابهة، واشاروا إلى أن صلاحيات الرئيس الحالي أصبحت بنص الدستور واسعة جداً على حساب صلاحيات السلطة البرلمانية والسلطة القضائية، وان الوضع الراهن مشوه لحد كبير.