يبدو أن الأسبوع المقبل سيكون أسبوع السودان في إثيوبيا، إذ من المقرر أن تجرى فيه محادثات ثنائية بين وفد من الحكومة مع وفود من حملة السلاح في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومع أحزاب «نداء السودان» ممثلة في السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، ومجموعة أحزاب «نداء السودان»، وربما تواصلت هناك أيضاً محادثات الحكومة مع وفد من «العدل والمساواة» وحركة التحرير جناح مني أركوي، بعد أن يكون حملة السلاح قد وقّعوا في برلين اتفاقية «ما قبل التفاوض»، التي نجح الوسطاء في الحصول على موافقة الحركتين والحكومة على تفاصيلها، بحيث تفتح الطريق للمفاوضات حول قضية دارفور.
هذا هو التخطيط على الورق، ولكن العمل على أرض الواقع يقول، إن ثمة عقبات كثيرة ما زالت تعترض خطط التفاوض، صحيح أن عقبة رئيسية قد أزيلت عن طريق التفاوض حول قضية دارفور، حينما تنازلت الحكومة عن موقفها السابق بعدم إعادة فتح ملف دارفور، واعتبار اتفاقية الدوحة هي نهاية المطاف بالنسبة لحل أزمة دارفور، فهي قد قبلت الآن أن تفاوض حول بعض قضايا دارفور، التي لم تستوعبها اتفاقية الدوحة بشكل مقبول، وأن تشكل آلية خاصة لإنفاذ ما يتم الاتفاق عليه، تكملة لما أنجز في إطار اتفاق الدوحة،
ولكن بالمقابل فإن انقسام الحركة الشعبية يشكل عقبة أمام التفاوض حول قضايا الولايتين، ولم ينجح الفريق سلفا كير في إعادة توحيد جناحي «الحلو وعقار»، حتى يشكلا وفداً تفاوضياً واحداً، وما زال عبدالعزيز الحلو يرفض العمل مع الجناح الآخر، ويتفادى العودة لجوبا خوفاً من تنامي الضغوط عليه.
أما فيما يخص الأحزاب السياسية المعارضة المتحالفة في إطار «نداء السودان»، فإن الحكومة تكاد أن تقصر اعترافها على حزب الأمة، إضافة إلى أنها تصر على أن تقطع الأحزاب السياسية علاقتها تماماً بأية حركات مسلحة، وأن تدين العمل المسلح، وهي ترمي من وراء ذلك إلى إحداث شرخ عميق في هذا التحالف، وتصر على أن يكرر حزب الأمة ويعيد رفضه وإدانته للعمل العسكري، رغم أن هذا هو موقف حزب الأمة المعلن من قبل،
والواضح أن أولوية الحكومة من هذه المفاوضات هي الوصول إلى اتفاقية سلام شامل مع الحركات المسلحة، يعلن فيه السلام الكامل ووقف إطلاق النار الدائم تحت رقابة تتحدد في إطار الترتيبات الأمنية، ولا يشكل التحول الديمقراطي جزءاً من المشروع الحكومي، و«التغيير» الذي تتوقعه الحكومة من هذه المفاوضات لا يعدو أن يكون منح الأحزاب والحركات بعض مقاعد السلطة فوق النموذج الحالي الذي أحرزته حوارات قاعة الصداقة،
وربما أرادت الحكومة أن ترسل إشارة واضحة بهذا المعنى، عندما اختارت هذه اللحظة التي تبدأ فيها المفاوضات، لتتقدم بتعديل دستوري ليُجاز بأغلبية ميكانيكية ليسمح للرئيس بأن يترشح مثنى وثلاث، ودون سقف لعدد مرات الترشيح لرئاسة الجمهورية، حتى يفهم المفاوضون الحد المسموح به لطموحاتهم!!!
المجتمع الدولي – وتبعاً لذلك المجتمع الإقليمي – مهتم بدرجة كبيرة بسلام السودان، وقد عمل بصورة مستمرة في الشهور الأخيرة لتذليل عقبات مفاوضات السلام بين أطراف النزاع، وهم يدركون الضعف الذي أصاب العمل العسكري، وأن وقف العدائيات الحالي أصبح عملياً هو وقف دائم لإطلاق النار الذي يتكرر الأمر به تلقائياً وبطريقة دورية، ولكن ذلك المجتمع لديه بعض التحفظات حول أداء النظام في قضايا حقوق الإنسان، وضرورة إحداث قدر من التحول الديمقراطي،
أما الحكومة فتدرك أن تلك الدول تعطي الأولوية للسلام وستضغط على الأطراف كافة لتحقيقه، ولن تتمسك كثيراً بقضايا التغيير الحقيقي، ولذلك هي تلعب في هذا الجزء من الميدان، وتريد أن تحقق السلام لأن ذلك سيساهم في رفع أي حصار عالمي تحسه، فيما تظل سلطاتها المطلقة في مكانها،وهي ترى أن الظروف هذه المرة مهيأة لإنجاز هذه المهمة والوصول إلى سلام و«ترضية» لحملة السلاح، دون أن تواجه ضغوطاً لإحداث تغيير سياسي حقيقي، وهي بذلك تضع الكرة في ميدان القوى الأخرى،التي يتوجب عليها أن تبرهن على قدرتها على إحداث تغيير في موازين القوى!!