احتار الناس في مواجهة المستجدات؟ هل الأهم ملاحقة اتجاهات (التسوية السياسية الجديدة) التي تلوح خلف الكواليس؟ أم عليهم متابعة الارتفاع المطّرد والغريب في أسعار البصل (سيد شباب قفة الملاح السودانية)؟! وعلى كل حال فإن ما (انكشف) عن التحركات والاتصالات التي تجري هنا وهناك حول (تسوية سياسية مرتقبة) لا يبدو من الشواهد أنه يبشر بإرادة جديدة تتجه إلي حل الأزمة الوطنية الشاملة من الجذور وليس من (الفروع والأغصان)! وفق إيمان جديد بضرورة هيكلة الدولة على ضوء الحكم الراشد، وتداول السلطة وتحقيق السلام العادل في كل ربوع البلاد، والخروج من (النزعة التكويشية) بتحقيق العدالة الاجتماعية، ووضع الدولة على (منصة جديدة) لإعادة القسمة العادلة في السلطة والثروة على كل أقاليم السودان، وإعادة استقلال وقومية مؤسسات الدولة، والخروج من عالم النزاعات والميليشيات، وجعل ريع الدولة ومواردها لمواطنيها على قاعدة الشفافية، وتحريم الخلط بين الحزب السياسي والدولة، والفراق الذي لا لقاء بعده بين المناصب العامة وبين (التمكين الحزبي القبيح) القائم على (الولاء الأشتر) للحزب على حساب الدولة!
هناك حديث كثير عن تسوية قادمة تجري تحت رعاية أطراف دولية وإقليمية ومحلية، ولكن أكثر ما يُزعج منها أن تقوم على تشتيت قضايا السودان وتجزئتها، وكأن الغاية منها ترضية أطراف وأحزاب وهيئات وحركات أو منظمات إقليمية ودول خارجية أكثر من العكوف على مخاطبة الأزمة في شموليتها، ولا فائدة تُرجى إذا سار الأمر على ذات النهج الذي يعمل على تجزئة قضايا الوطن وعلى ذات الخط المعهود للمؤتمر الوطني، وهو يظن أن ذلك يحقق له فلاحاً يضمن له بقاء السلطة بكامل (كيكتها) كلما أفلح في تجزئة معارضيه والتعامل مع الحركات والأحزاب (فرّادي) لإرضاء أفراد هذه الحركات والأحزاب باستيعابهم في مناصب الحكومة كما حدث طوال تاريخه، وبعدها يخرج على الناس ويقول الحمد لله لقد تم حل الأزمة وتشكيل حكومة الوفاق وحكومة الوحدة الوطنية والحكومة القومية وحكومة الإجماع.. وكل ذلك مما ثبت خطله ،والشاهد إن الحكومة الحالية كما يقول المؤتمر الوطني هي حكومة وفاق واتفاق وإجماع لم يشهده السودان في تاريخه.. (طيب) إذا كان هذا الأمر كذلك فما لزوم التسوية الجديدة؟!
لن تنجح التسوية الجديدة إذا كان المُبتغى هو الحوار مع فلان وفلان عبر اتفاقية الدوحة، ومع فلان وعلان وحركة كيت عبر أمبيكي، ومع جماعتين ثلاثة عبر سلفاكير، ومع قوى أخرى حول الدستور.. ثم ينتهي الأمر بتوزيع بعض المناصب هنا وهناك من غير حلول شاملة على قاعدة جديدة تفك إسار الدولة من هيمنة الحزب الواحد.. وإذا كان القوى الدولية والإقليمية والترويكا وامبيكي لا يعرفون (النوايا المُضمرة) فان الناس في السودان يعرفونها.. ليس رجما بالغيب ولكن من باب التجارب والدروس ذات الأثمان الباهظة! هل الغاية هي تجزئة وتشتيت الأحزاب والحركات المعارضة؟ أم المقصود من وراء كل ذلك هو فقط مباركة انتخابات 2020 التي يُراد منها أن يستمر (الحال في حالو)؟!